مواقف تربوية

دور المُربِّي (ثانيا: ضبط الفهم الصحيح عند الأفراد لمراتب الأحكام وفقه الأولويات مع النظرة الشاملة للإسلام)

بعد أن تعرفنا على أول دور من أدوار المربي في إشرافه على عملية التغيير وهو تربية من معه على التوازن والاعتدال، يأتي الآن الحديث عن ثاني دور من أدواره ، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم مثالا للمربي :

ثانيا : ضبط الفهم الصحيح عند الأفراد لمراتب الأحكام وفقه الأولويات مع النظرة الشاملة للإسلام :

تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله داعيًا على اليمن : ” إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ” .

فقه الأولويات والموازنات من أهم الأمور التي ينبغي أن يُعلمها المُربي لمن معه .. فكثيرًا ما سيجد الفرد نفسه أما مصلحتين متعارضتين إن قام بواحدة فاتت الأخرى ، فماذا يُقدم وماذا يؤخر ؟! .. هنا يأتي دور المربي الذي يُحسن توجيه من معه للتعامل الصحيح في مثل هذه المواقف ، فعلى سبيل المثال : عند التعارض بين السعي في خدمة الناس مع عبادة مثل الاعتكاف .. أيهما نُقدم ؟

يقول صلى الله عليه وسلم : ” ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا “[1] .

فما يتعدى نفعه للناس يُقدم على ما كان نفعه مقصورا على الفرد .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشعب فيه عيينة من ماء عذبة ، فأعجبته ، فقال : لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ” لا تفعل ، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة ؟ اغزوا في سبيل الله ، من قاتل في سبيل الله فَواقَ ناقة وجبت له الجنة ” [2].

[1] أخرجه ابن أبى الدنيا فى كتاب قضاء الحوائج (ص 47 ، رقم 36)، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم 176.

[2] أخرجه الترمذى (4/181 ، رقم 1650) وقال : حسن . والحاكم (2/78 ، رقم 2382) وقال : صحيح على شرط مسلم .