غير مصنف

سورة الغاشية.. الحلقة الثانية

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية : 8 – 16].

قصة الوجود:

وصف تفصيلي لنعيم أهل الجنة – الناجحين في اختبار العبودية – إنه يوم التكريم الكبير .. ويا له من نعيم، فالوجوه مستبشرة، والدرجات عالية في أعلى الجنان، فلا يكفي أنها ” جنة ” ولكن الله سبحانه يصفها بأنها (جنة عالية)، ليس فيها أي لغو أو حديث يؤذي سامعه، فيها العيون جارية، ولا يخفى على أحد ما لجريان الماء من متعة وراحة للأنفس.. ونكاد نرى الآن الكؤوس المعدة للشراب، والوسائد المصفوفة؛ والبُسُط الفاخرة.. وكل هذا الذي ذكرناه يتشابه في اسمه فقط مع ما نعرفه في الدنيا، فقط لتقريب الصورة، أما ما أعده الله من النعيم لأهل الجنة فهو يفوق الوصف والتصور.

من هو الله سبحانه؟:

(الخالق المبدع)

تظهر آثار هاتين الصفتين في بديع صنعه سبحانه ، وعجب مخلوقاته والتي منها الإبل .. (يُنصح بالرجوع إلى الإعجاز في خلق الإبل) ..

والله سبحانه إذ يخاطب المشركين – أهل البادية – يذكر لهم الإبل ؛ لأنهم يعرفونها جيداً ، ويرون بأم أعينهم ما لهذه المخلوقات من خصائص تجعلها مؤهلة لتحمل مصاعب الصحراء وظروفها القاسية .. وهم مع كل ذلك يصمون آذانهم ويغلقون أعينهم فلا يتفكرون في هذه المخلوقات بل يتحدون تلك النعم، ويجعلون لله شريكاً ويفرون منه سبحانه .. والله سبحانه خلق السماء ، ذلك البنيان العظيم، الذي يتقطع له ذهن الرائي تعجباً .. كيف يقوم بلا أعمدة؟ ، وبلا روافع ، وبلا سلاسل تعلقه ، فلا يملك من ينظر إليه إلا أن يسبح خالق السماء ورافعها وممسكها ومبدعها …

وتلك الجبال التي تثبت الأرض ، ولولاها لمادت واضطربت بالناس، كما أن أطوال هذه الجبال وضخامتها وقوتها تخبر بعظمة خالقها وقدرته سبحانه .

وتلك الأرض المنبسطة الممهدة ، ولولا ذلك لاحتار الإنسان وأصابه الجهد والهم في ذهابه وإيابه وفي حله وترحاله ، فكيف كان سيذهب ويرتحل إن لم تكن الأرض ممهدة ؟! كيف كان سيتعامل مع ارتفاعها وانخفاضها وتلالها وحفرها ؟! أظنه ساعتها سيفكر ألف مرة قبل أن يخرج من بيته حتى لا تواجه هذه المأساة ..

هذا جانب بسيط من إبداع الله في خلقه، لا يمتلك قارئه إلا أن يسبح الخالق المبدع.. سبحان الله..

﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية : 21 ، 22] .

من هو الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ :

وظيفته تذكير الغافلين وتنبيه الشاردين، وتعريفهم بربهم وخالقهم الذي سخر لهم هذا الكون وأسبغ عليهم نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهذه هي مهنة جميع الرسل، التذكير والتوجيه دون إجبار لأحد أو دفعه قسرًا إلى الإيمان، فليسوا مسئولين عن هداية البشر فالهادي هو الله سبحانه، وإنما فقط عليهم أن “يذكروا”.

من هو الله سبحانه ؟ :

هو الرحيم بعباده فلا يؤاخذهم إلا بعد أن يرسل إليهم الرسل ليبينوا لهم طريق الحق ويذكروهم بربهم وبعاقبتهم إن هم أحسنوا أو أساءوا ؛ ولذلك حتى يقيم عليهم الحجة ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء : 15] .

﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ [الغاشية : 23]

من هو الإنسان ؟ :

لديه قابلية لأن يعرض عن الحق وينبذه، مهما كان هذا الحق واضحاً جلياً، ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء : 67] .. وهذه الطائفة مهما نصحها الناصحون ووعظها الواعظون فالكبر والإعراض صفة متأصلة فيهم تمنعهم من اتباع الحق.. ألم تر إلى قولهم : ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص : 57] ؟! .. فهم يعترفون أنه الهدى، ومع ذلك يعرضون عنه ويرفضون اتباعه ..

﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ [الغاشية : 24]

قصة الوجود :

النهاية السوداء للراسبين في امتحان العبودية، المعرضين عن الحق، الكافرين به .. ﴿العذاب الأكبر﴾ .. نسأل الله العافية .

من هو الله ؟! :

الحكم العدل، فمن حكمته أن يجازي المسيء على إساءته ويكافئ المحسن على إحسانه.. ومن حكمته ألا تكون الدنيا آخر المطاف كما تمنى ذلك المكذبون ويتمنون دائماً.. ﴿أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ [النازعات : 10 – 12] .

ولكن الله من عدله وحكمته جعل يوم الجزاء لكي ينال كل فريق جزاءه وإلا فهل يستوي الأعمى والبصير ؟!.. أم هل تستوي الظلمات والنور؟!..

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية : 25 ، 26]

من هو الله ؟! :

المبدئ المعيد .. إليه سبحانه المرجع والمصير، وهو سبحانه الرقيب الحسيب الذي سيحاسب عباده يوم القيامة بالعدل والقسطاس ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف : 49] .

دروس مستفادة وواجبات عملية :

1- التفكر في مخلوقات الله سبحانه وسيلة فعالة لزيادة الإيمان وتحريك القلب وترقيقه ؛ (قد يفيد في ذلك الأمر الرجوع إلى بعض المجلات التي تتناول الإعجاز في خلق الكائنات المختلفة وفي السماوات والأرض، وكذلك مشاهدة البرامج العلمية لأن من شأنها أن تستثير العقل وتفتح نوافذه، مما ينعكس بدوره على القلب : ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ..﴾ [آل عمران : 191] .

2- الإعداد والاستعداد ليوم العرض الكبير حيث يكافأ المحسن ويعاقب المسيء وذلك عن طريق : (سماع الأشرطة التي تتحدث عن الدار الآخرة – قراءة الكتب التي تتحدث عن “وصف الجنة ، وصف النار” – ذكر الموت – القراءة في كتب الرقائق – زيارة القبور – …) .

3- الإتيان بالأعمال الصالحة (التي يحضر فيها القلب) والاجتهاد في ذلك ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية : 9] .

نصيحة :

يقترح أن نقوم مثلاً بواجب عملي : استخراج مظاهر قدرة الله في خلق الأنعام ، مما لذلك من أثر على القلب والنفس حين يتم استشعار تلك النعم واستشعار عظمة الله وتليين القلب ومحو قسوته.

4- تتبع المواضع التي تربط الذكر بالفكر في القرآن (في الورد اليومي) ، ومحاولة تدبرها والتفكر فيها ..