من نحن

نحن ندعو إلى تقديم الإيمان على كل ما سواه، وندعو إلى إصلاح الدنيا والآخرة بالإيمان لا بغيره..

.. نحن نرفع شعار الإيمان أولاً

لأن الإيمان – بالفعل- يأتي في الأهمية قبل كل شيء، وليس هذا رأينا الشخصي أو محض اجتهاد منا ولكن الله سبحانه وتعالى هو من اختار هذا الترتيب، فما من آية يُذكر فيها الإيمان إلا نجده مُقَدَما على ما سواه من الأعمال، فنجد الآيات تقول دائما (آمَنُوا وَعَمِلُوا)، ولم نجد آية واحدة في القرآن بخلاف هذا الترتيب ..

بالإضافة إلى أن الآيات التي احتوت على التكليفات والتشريعات قد بدأت بقوله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا…) وكأن صفة الإيمان هي الضامن الذي يجعل صاحبه يسمع ويطيع!! ..

الإيمان أولاً.. نعم، فما أكثر ما تُؤَدى صلوات التطوع ونوافل العبادات، ومع ذلك فالحال هو الحال، لم تتغير السلوكيات ولا الأخلاق ولا المعاملات … وأما عن الأمة فحالها يزداد سوءاً بعد سوء، أصبحت تحت الأقدام، يطحنها أعداؤها ليلا ونهارا، ويمزقونها كل ممزق دونما خجل أو استحياء …

لماذا أسلمَنا الله لأعدائنا ومكنهم من رقابنا ؟!.. لماذا نعاني ما نعانيه منهم رغم تلك الدعوات الحارة في المحاريب وفي المساجد بل في قلب الحرم وفي صحن الكعبة بأن ينصرنا الله ويفرج كربنا؟!

إجابة هذه التساؤلات في هذه الآية :(وَلَن ْيَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)

.. إذن لم يتحقق الشرط ، فلم يتحقق الجواب .. ومَن أوفى بعهده من الله ؟!

لقد ظننا أن جُلَّ الأمر ركعاتٌ وتسبيحاتٌ وأورادٌ ورحلاتُ حجٍ وعمرة بدون حساب … ولكن الله سبحانه يبين لنا خطأ ما اعتقدناه فيقول: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) … الأمر إذن ليس بنحر الهَدي وإسالة الدماء فقط؛ ولكنه بالثمرة التي ترسخ في القلب من أثر هذه العبادات، وهي أيضا التي تميز العمل المقبول من غيره، ذلك العمل الذي يكون محلّ رضا الله سبحانه ومن ثم نصره وتمكينه، فالله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا .

الإيمان أولاً.. شعار رفعه قبلنا الصحابي الجليل جندب بن عبد الله حين وصف الطريقة التي رباهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير – أي في قمة الفتوة- فتعلمنا الإيمان قبل القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً.. وهذا القول يؤكد على أن الإيمان ليس فقط أولاً، بل أولاً وأخيرًا وفي كل وقت، فالإيمان يسبق القرآن، والقرآن يزيد الإيمان .. فما أبلغ هذه المقولة !!

ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم من أوائل المتبعين لهذا المنهج، فانصلحت حياتهم، وأصلحوا حياة الناس، وسادوا البر والبحر، ومكَّن الله لهم في الأرض … كانوا – بالإيمان- رهباناً بالليل فرساناً بالنهار .. في مجال العلم علماء، وفي ساحات الجهاد آساد، وفي المحاريب رُكَّعاً سجداُ يبتغون فضلاً من ربهم، كانوا خير الأزواج لأزواجهم، وخير الآباء لأبنائهم، وخير الجيران لجيرانهم ..

لقد عاشروا الناس بالأبدان،وعاملوا الله بالقلوب، فكانوا – مهما وصفهم الواصفون- فوق الوصف، وأعظم من التشبيه

لاتنظِمَنَّ قصيدةً في وصفهم **** أعيا السلاحف أن تطول القمما

كيف تمت صناعة ذلك الجيل ؟!

إنها التربية الإيمانية التي كانت تتم في دار الأرقم، إنها ثلاثة عشر عاما رُفِع فيها شعار الإيمان أولاً حتي نبت الإيمان في قلوبهم واستوى على سوقه، ثم بدأ يؤتي أُكُله بإذن ربه ..

ذلك الإيمانهو الذي جعل المهاجرين يتركون ديارهم وأموالهم وملاعب صِباهم؛ ليفروا بإيمانهم الذي كان أغلى عندهم من كل غالٍ.. ولا يفعل ذلك إلا الإيمان.

ذلك الإيمان هو الذي جعل الأنصار يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم المتواضعة لإخوانهم المهاجرين، ويقتسمون معهم القوت، بل ويؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. ولا يفعل ذلك إلا الإيمان.

هكذا شاء الله سبحانه أن يتربى الجيل الأول الذي سيحمل الرسالة الخاتمة، وهكذا تتربى الأجيال والأمم والشعوب، وهكذا ينصلح حال أمتنا، فلا يصلح حال آخر الأمة إلا بما صلح عليه حال أولها.

إن هذا الجيل الفريد دليلُ إثباتٍ، وشاهدُ عدلٍ على أهمية ما ندعو إليه (الإيمان أولاً)

وإن هذا الجيل برهان دامغ على أن مشكلتنا إيمانية، ولا تُحَل إلا بالإيمان.

.. وياللأسف!! حين لم ندرك تلك الحقيقة، كان لزاماً أن نجني الثمار المرة التي هي نتيجة طبيعية لضعف الإيمان، من قلة الورع، ونقص الحياء،والتنازل عن الثوابت والقيم، وتعلق القلوب بالدنيا والحرص عليها، وعدم تعظيم شعائر الله، وضعف التمسك بالسنة ..

ولا يزال الحصاد المرُّ يتوالى، فقد قلَّ التسامح، وغاض التغاضي، وانعدم العفو عند المقدرة ..

ازدادت المشاحنات والمطاحنات بسبب وبدون سبب نتيجة لسوء الظن وعدم سلامة الصدر.

قلَّ البذل والعطاء والإنفاق، وزاد الشح والبخل واكتناز الأموال .

ساءت الأخلاق وسادت الأنانية والأثرة وحب الذات .

ضعُفت الأخوة وقلَّ الحب وساد التفكك والخصام و…و…

… هل نُكمل أم يكفي ما ذُكِر ؟

هل يرى أحد القراء الكرام أننا قد بالغنا فيما ذكرناه؟؟

هل علمتم أيها الأحباب لماذا نقول الإيمان أولاً؟؟

لأن الإيمان هو الحل الوحيد لكل مشاكلنا، و هو الترياق الشافي، والدواء الناجع لأمراض الأمة التي تفتك بها، وهو طريقها المضمون المأمون لاستعادة مجدها، واسترداد مقدساتها .
لأن الإيمان هو طريقنا للرفعة والسموّ (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )
لأن الإيمان هو السبيل الوحيد لاستجلاب معية الله (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)، وولايته (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا)، وكفايته (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ).
ولأن الإيمان هو الشرط الوحيد لاستخلافنا وتمكيننا من جديد (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا..)
… لأجل هذا كله كان موقع الإيمان أولا .. والذي ستكون جميع زواياه – بإذن الله – خادمة لهذا الشعار، شارحة لكيفية تفعيله والسير به ..

سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا ذلك العمل، وأن يتفضل علينا بالقبول والتوفيق، إنه نعم المولى ونعم النصير.