بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد……
يقول ربنا عز وجل في سورة الحشر “لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ” [سورة الحشر: 20] فهذه الآية من الآيات الدالة من طرف خفي على مُضي الجهاد في سبيل الله وطبيعة التدافع بين المسلمين وغير المسلمين إلى قيام الساعة؛ وذلك لأن قولك لا يستوي فريق كذا وفريق كذا؛ فالفريق الثاني مثلاً هو الفائز فلا يفهم أن الفريق الثاني سيفوز بمنئى ومعزِل عن الفريق الأول بل طبيعة الفوز تقتضي التدافع بينهما وفوز أحدهما على الآخر فأصحاب الجنة سينتصرون على أهل النار في معركة أبدية سيكون النصر فيها حليفًا إن شاء الله للمسلمين ولذلك نتلمس الحكمة في قول الله عز وجل “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [سورة البقرة: 216] فالآية بدأها الله عز وجل بِـ”كُتِبَ” أي فُرِض ولم يقل سبحانه وتعالى “كُتِب عليكم الجهاد” مع كثرة هذه الآية في القرآن الكريم لأن كلمة الجهاد تعني بذل الجهد في أي مجال من مجالات الدعوة فكان ذكر القتال والله أعلم؛ لئلا يترك مجالاً لأصحاب التأويلات الخاطئة الذين يزيفون الحقائق بقصد أو بغير قصد وانتهت الآية بنهاية عجيبة “وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” وهي نهايةٌ غايةٌ في القوة والحكمة معًا؛ وذلك لأن الله عز وجل لا يترك مجالًا لمن يقولون بأن الكافرين من الممكن أن يخلوا بين مجاهدي المسلمين وبين عوام المشركين حتى يوصلوا إليهم رسالة ربهم وكلمته الأخيرة للبشرية فالله بسابق علمه أخبرنا بأن هذا لن يكون إلا في أوهام الذين لا يعلمون طبيعة التدافع بين المسلمين وغير المسلمين ثم يواجهنا الله عز وجل بالسبب الخفي الذي أقعدنا عن الجهاد والقتال في سبيله بقوله “وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ” فهذه الكلمات على صغر مبانيها إلا أنها تحمل بداخلها كل أسباب القعود والتخلف عن ساحات الجهاد وذلك لأن قبول هذه الحقيقة التي لا امتراء فيها سيجعل العبء النفسي على المسلم ضخم جدًا فإما أن يمضي قدمًا في طريق الجهاد طريق الأنبياء والمرسلين حاملًا كل أعبائه ومحققًا للغاية التي خُلِق من أجلها وإما أن يرفض هذه الحقيقة ويكون من القاعدين متخذًا من أراء الفقهاء المرجوحة مطية يصل بها إلى ما ينطوي عليه قلبه من حب للدنيا وتثاقلٍ إلى الأرض، ويسلك في ذلك مسلكًا معروفًا عند علماء النفس سموه (الحيلة اللاشعورية) كقوله مستدلًا على صحة مذهبه “وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا” [سورة القصص: 77]، (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) [السنن الكبرى للنسائي] هذه النصوص وأمثالها يستدل بها استدلالًا مبتورًا على مذهب أبي نواس:
ما قال ربك ويلٌ للذين سَكِرُوا بل قال ربك ويل للمصلين
ونسي المسكين أن هذه النصوص قيلت لأناس عشقوا الجهاد حتى اختلط حبُه بدمهم وكان حبهم للموت أكبر من حبنا للحياة فكانت هذه النصوص وأمثالها تحدث التوازن حتى لا يضيع الصحابة أولادهم وزوجاتهم.
إن كل هذه التصورات المغلوطة والحقائق المشوهة؛ بسبب البعد عن القرآن وحقائقه ومعانيه التي هي أوضح من الشمس في رابعة النهار لذلك وجب علينا نحن المسلمين أن نقترب من القرآن أكثر وأكثر حتى يقترب القرآن منا، يقترب منا ليس بألفاظه وحروفه بل بحقائقه ومعانيه وتصوراته فالقرآن لا يترك ظلمة في العقل ولا في القلب إلا بددها وقضى عليها، وأحل مكانها النور ولا غرابة في ذلك فهو النور المبين وكلام رب العالمين “وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نَّورٍ” والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.