بسم الله، و الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بعد:
فإن كلام الله عز و جل ما جاء إلا ليأخذ الناس إلى الله، و إلى ما فيه صلاح دنياهم و آخرتهم، و لم يكن أبدًا لمجرد التبرك، أو الاهتمام النظري الأجوف دون العمل و التقرب إلى الله سبحانه.
ومما شاع وذاع بيننا من الحال الذي يوحي بأننا قد ابتعدنا كثيرًا عن القرآن – إلا من رحم الله – أننا طالما انشغلنا بالحروف دون المعاني، وبطباعة المصاحف دون قراءتها قراءة حقيقة، وأصبحنا نتسابق في ختمه قراءة دون الوقوف على مرادات الله سبحانه وتعالى من كلامه. ثم ظننا أننا بهذا من أهل القرآن الحقيقيين!!
إن الواجب مع القرآن أن يُقرأ بالشكل الذي أراده الله تعالى لقراءته، لا بما ارتضيناه نحن لأنفسنا.. والله سبحانه يرضى لعباده أن يقرءوه بتدبر و تخشُّع و ترتيل، واقفين عن كلامه فهمًا وعملًا.
ولا يرضى سبحانه من عباده أن يعاملوه معاملة فاترة، فيقرؤونه بلا فهم و لا تدبر و لا برغبة في التعرف عليه سبحانه، و لا باهتمام بزيادة الإيمان.. و في هذا المعنى يقول ابن تيمية رحمه الله:
ولا يخفى على أولي الألباب أن المقصود بنزوله اتباعه، و العمل بما فيه، إذ العاملون به هم الذين جُعلوا أهله، وأن المطلوب من تلاوته تدبره، و فهم معانيه، و لذلك أمر الله بترتيله و الترسل فيه، ليتجلى أنوار البيان من مشارق تبصرته، و يتحلى بآثار الإيمان من حقائق تذكرته؛ فإنه يشترك المؤمن و المنافق، والمطيع و المارق في تلاوته وقراءته، كما يشمل جميع الناس بتبصرته وبيانه لإقامة حجته و إبانة برهانه، وإنما يفترقون في نفعه و ثمراته و هداه و رحمته و شفائه و موعظته[1].
[1] قاعدة في فضائل القرآن ص (54).