كان الصحابة رضوان الله عليهم يوصون بالتفرغ للقرآن وبتجريده وبالاكتفاء به عما سواه من سائر الكلام حتى وإن كان حسنًا، وهنا نرى موقفًا عمليًا يحدث بين صحابي من أعلم الصحابة بالقرآن وتلاميذه أتوه ليعرفوا رأيه في كلام حسن غير القرآن ، فكان رد فعله قويًا…
فعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: أصبت أنا وعلقمة صحيفة، فانطلقنا إلى ابن مسعود بها، وقد زالت الشمس أو كادت تزول، فجلسنا بالباب ثم قال ابن مسعود للجارية: انظري من بالباب فقالت: علقمة والأسود، فقال: ائذني لهما، قال: فدخلنا، فقال: كأنكما قد أطلتما الجلوس ؟ قلنا: أجل. قال ما منعكما أن تستأذنا ؟ قالا: خشينا أن تكون نائما. فقال: ما أحب أن تظنا بي هذا، إن هذه الساعة كنا نقيسها بصلاة الليل. فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن، فقال: هاتها، يا خادم هاتي الطست فاسكبي فيها الماء. قال: فجعل يمحوها بيده ويقول: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف: 3]، فقلنا: انظر فيها، فإن فيها حديثا عجبا، فجعل يمحوها ويقول: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره .
قال أبو عبيد في تعليقه على هذا الخبر: أرى أن هذه الصحيفة أُخذت من بعض أهل الكتاب، فلهذا كرهها عبد الله[1].
([1]) فضائل القرآن لأبي عبيد، ص ( 73) .