الإيمان والحياة

الحد الأقصي لتدبر القرآن

حين ندعو أنفسنا والناس لتدبر القرآن الكريم والدخول إلى عالمه والنهل من منهله والسير مع معانيه، والوقوف عند ما تريده الآيات منا.. حين ذلك يتخوف البعض تخوفا مشروعا مفاده: أن قد بلغنا أنه ينبغي للمسلم أن يختم القرآن على الأكثر مرة كل شهر أو كل أربعين يومًا، ولو تأخر عن ذلك لأصبح هاجرًا للقرآن.

فإن فعلنا ذلك فقد يدفعنا هذا الأمر إلى سرعة قراءة القرآن للانتهاء من ختمة في المدة المحددة،  ومن ثَمَّ فلن نردد الآية التي تؤثر فينا، ولن نتوقف عند المعاني العظيمة التي يولدها التدبر والتأثر… فكيف نوفِّق بين الأمرين؟

وللإجابة على هذا التخوف نقول:

من الضروري – إن أردنا الانتفاع بالقرآن – أن ننشغل بتلاوته، وألا يمر يوم لا نقرأه فيه مهما كانت الظروف، بل إننا نطمع أن نصل لمرحلة تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وألا نستطيع الصبر عنه، وألا نشبع منه كما كان حال الصحابة رضوان الله عليهم.

ومع هذا الانشغال فلا ينبغي علينا أن نشغل أذهاننا بمدة ختمه، فلا يوجد دليل صريح يبين الحد الأقصى لختم القرآن.

فإن قلت: ولكنه صلى الله عليه وسلم لما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص: في كم يقرأ القرآن؟ قال:«في أربعين يومًا» [حسن ، رواه أبو داود].

يقول الدكتور محمد أبو شهبة – رحمه الله – في رده على هذه المسألة:

وليس في الحديث ما يدل على كراهة الختم في أكثر من أربعين، والعبارة ليست حاصرة حتى يكون ما عداها ليس من سنته [المدخل لدراسة القرآن لمحمد أبو شهبة, ص (438)].

ومما يؤكد ذلك هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم.

أخرج ابن أبي داود عن مكحول قال: كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع، وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك [الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/104].

وليس معنى هذا هو التراخي في ختم القرآن، بل إننا نطمع في أن يكون الغالب علينا ختمة في سبع أو عشر كما كان حال الكثير من الصحابة، ولكن دون وجود سيف على رقابنا يدفعنا لسرعة القراءة من أجل الانتهاء في الوقت المحدد.

وهب أنك – أخي القارئ- قد تأثرت تأثرًا شديدًا بآية من الآيات، وعشت معها، وأردت أن تكررها مرات ومرات كي تستفيد من الإيمان الذي يزداد في هذه الفترة… ماذا تفعل حينئذ وأنت تشعر أنك مطالب بالانتهاء من كم محدد من القرآن.. أليس من المتوقع أن تترك ترديد الآية وتكرارها من أجل الانتهاء من السورة أو الجزء؟

إنك إن فعلت ذلك تكون قد فوّت على نفسك فرصة عظيمة لزيادة الإيمان وتنوير القلب، وطرد الهوى، ومن ثمَّ التغيير والاستقامة على أمر الله.

تأمل معي هذا الخبر الذي يحدثنا عن حال أحد الصحابة وهو تميم الداري – رضي الله عنه – مع القرآن وكيف كان يفعل مع الآية التي تؤثر فيه.

عن مسروق قال: قال رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله، يركع ويسجد ويبكي ]أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[[1] [الجاثية:21].


([1]) دموع القراء  لمحمد شومان, ص (75).