الله عز وجل خلق الإنسان ليكون عبدًا له، وسيدا لما سواه،…
فلقد جعل الكون المحيط به مسخرًا لخدمته، يعمل من أجل راحته ] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[ [البقرة: 29] ]وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ[[الرحمن : 10].
انظر- مثلا- إلى السماء فستجد الشمس تتحرك حركة دائبة كل يوم من المشرق إلى المغرب، لم تخلد يومًا إلى الراحة، وكيف تفعل ذلك وتغيب عنا وهي مأمورة بإمدادنا بالضياء والطاقة؟
والقمر كذلك يتحرك حركة دائبة من أول يوم في الشهر العربي يكون فيه هلالاً يكبر يوما بعد يوم فيكون بدرًا يضيء السماء ثم يعود كما كان في نهاية الشهر فيساعدنا بذلك على معرفة الأيام والشهور ]اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ ` وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ[ [إبراهيم: 32- 33].
أنت القائد
أنت قائد هذا الكون أيها الإنسان، فكل ما فيه مسخر لخدمتك..
انظر إلى جسمك وتأمل ما فيه من جوانب التسخير والخدمة لك أيها المكرم.. فعينك مُسخَّرة لترى بها ما حولك، ولسانك ما هو إلا خادم لك لتعبِّر من خلاله عما تريده، ويدك للبطش والكتابة، والتسبيح، ورجلك للحركة والذهاب إلى
حيث تشاء.
كل هذا يتم دون اعتراض أو تمنُّع، بل استسلام تام وانقياد تام لأوامرك.
هل فكرت يومًا في الطعام الذي تأكله كيف تتم رحلته داخل جسمك فيحدث من خلالها الهضم والامتصاص وإخراج الفضلات.
إن الأجهزة الداخلية تعمل داخلك ليل نهار لتقوم على راحتك، فلا تجهد ذهنك في التفكير عن كيفية عملها وماذا يحدث في داخل الرئتين أو القلب أو الكبد أو….
لا تفكر في كيفية التئام جرح من الجروح فهناك من يقوم بذلك.
أرح نفسك من هذا كله فهناك خدم كثيرون لا يحصى عددهم يقومون على خدمتك.
أيها المدلل
انظر إلى طعامك وتخيل أن هذه الخضروات والفواكه لن تكون موجودة بهذه السهولة، وأن المطلوب منك هو أن تقوم بنفسك على عملية استخراجها من مكوناتها الأصلية.
كم من الوقت والجهد ستبذله للحصول على بعض ثمار الخيار مثلا، بل على ثمرة واحدة؟!
أيها المدلل…
أتدري أن هناك مصانع لا تعد ولا تحصى موجودة تحت الأرض وفوقها تعمل ليل نهار- بإذن ربها- من أجل أن توفر لك شتى أنواع الأطعمة وما عليك إلا أن تجمع إنتاجها، وتختار منه ما يروق لك؟!
تخيل ثم تخيل
تخيل- أخي القارئ- أن الدابة التي تستخدمها في تنقلاتك من مكان لآخر، قد أنطقها الله عز وجل، فإذا هي تسألك قبل تحركها بك عن وجهتك، ولماذا تذهب إلى هذا المكان، وكم من الوقت ستستغرقه فيه و…..
تخيل أن الماء الذي تريد شربه لا يتحرك في فمك، بل يسألك لماذا تشرب الآن؟ ألم تشرب منذ قليل؟!
تخيل أنك تريد الكتابة فلا تتحرك معك يدك بل توبخك على كثرة استخدامها وعدم إعطائها راحتها.
تخيل ذلك وتخيل أن كل من حولك من المخلوقات يتكلم، ويناقش قبل قيامه بتنفيذ الأوامر.. ثم اسأل نفسك كيف ستكون الحياة بهذا الشكل؟!
لا تستغرب – أخي- هذا الكلام، فبالفعل قد أنطق الله بقرة في عصر من العصور السابقة لتكون آية للناس تشعرهم بحجم نعمة التسخير، ونعمة صمت الكائنات من حولنا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس، فقال: «بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنَّا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله، بقرة تتكلم؟ فقال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر…». ([1])
سل نفسك
وبعد أن تخيلت ما تخيلت، سل نفسك:
هل يرفض الماء إرواءك، والطعام إشباعك؟!
هل ترفض الدواب حملك إلى المكان الذي تريد ولو كان لا يرضي الله عز وجل؟!
هل امتنعت النار عن الإحراق والماء عن الغليان؟!
هل امتنعت الشمس يومًا عن الإشراق، والليل عن الإظلام؟!
تأمل ثم تأمل هذا اللون العجيب من نعم التسخير والتكريم لك أيها الإنسان واسأل نفسك- مرة أخرى- لماذا ميزك الله عن سائر مخلوقاته؟!
ولماذا هيأ الكون كله لخدمتك، وجعلك قائده وسيده؟!
هل هناك جواب آخر غير أنه يحبك ويريد لك النجاح في المهمة التي خُلقت لأجلها، ومن ثَّم دخول الجنة والتمتع بنعيمها الأبدي؟!
جاء في الأثر: «يا ابن آدم خلقت كل شيء لك، وخلقتك لنفسي، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له».
([1]) رواه البخاري (3471).