مع المتدبرين

كنود الإنسان وسببه ، وعبرة من الحيوان الأعجم ، تأمل في سورة العاديات

الكاتب: أبو الحسن الندوي

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ(9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات : 1 -11]

اقرأ هذه الآيات التي وصف الله فيها الخيل مع قوله ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ مرارا مع خلو الذهن من كل ما قيل فيها: تتنبه سريعا إلى نكتة كلما حمدت الله عليها كان قليلا.

ترى أن الله سبحانه وتعالى يصف الخيل في هذه السورة بأوصاف ويذكر لها أعمالا ، كلها ترجع إلى نقطة، وهي الوفاء والفداء والإيثار لسيدها.

فهي التي تفديه بنفسها ، وتشقى لنعيمه ، وتموت لحياته، ولا تعرف لنفسها ولا لحياتها حقا، ترمي بنفسها في الخطر، وفي النار والبحر، وتصبر على الجوع والعطش ، وتتحمل المشاق: تعدو ضبحا، وتوري قدحا، وتغير صبحا ، فتنثسر به نقعا ، وتوسط به جمعًا ولا تصوير أبلغ من تصير الله سبحانه.

تفعل كل هذا مع ربها ، وهو ليس لها برب، والذي هو من غير جنسها ، والذي يستخدمها أكثر مما يخدمها ، وهو الحيوان غير الناطق غير العاقل.

فكيف الإنسان العاقل الشريف مع ربه الحقيقي وولي نعمه، إن الإنسان لربه لكنود! فللإنسان عبرة في دواجنه وفي عبيده المسخرة.

﴿ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾ يشهد به لسان الحال ولا يجحد به بلسان المقال، وإن كذب اللسان فأحوال الإنسان وسيرته تصرخ بذلك وتنادي.

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ والعلة الطبيعية لذلك أن الإنسان لا يقدر أن يجمع بين الربين يعبدهما ويخدمهما: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ … ﴾ [الأحزاب : 4] ، ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[الزمر : 29].

فهذه السورة قد اشتملت على بيان المرض وهو قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ ، وعلى علاجه وهو قوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ إلخ ، فإن الإيمان بالآخرة وتذاكر الموت يكشف الغطاء عن العين ، ويفيق من سكرة الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أكثروا ذكر هاذم اللذات»