التربية الإيمانية

كيف ننتفع بالقرآن؟

  1. أخي القارئ – هذه بعض الوسائل العملية التي من شأنها أن تُدخلنا –بإذن الله– إلى عالم القرآن، وتفتح لنا أبواب الانتفاع به، فعلينا أن نستخدمها عند تلاوتنا اليومية للقرآن.

أولًا: قبل أن نبدأ القراءة علينا بالإلحاح على الله عز وجل أن يفتح قلوبنا لأنوار كتابه، وأن يكرمنا ويعيننا على تدبره والتأثر بآياته، ولنتذكر جميعًا بأن الإلحاح الشديد على الله هو أهم مفتاح يفتح القلوب للقرآن، فليكن – إذن – إلحاح ودعاء وتضرع كتضرع المضطر الذي يخرج دعاؤه من أعماق قلبه.

يقول ابن رجب: على قدر الحُرقة والفاقة تكون إجابة الدعاء[1].

ثانيًا: القراءة في مكان هادئ، بعيدًا عن الضوضاء حتى يتسنَّى جمع العقل والقلب مع القرآن، وكذلك اختيار الوقت المناسب الذي يكون فيه المرء بعيدًا عن الإجهاد البدني أو الذهني، ولا ننسى الوضوء والسواك.

ثالثًا: تخصيص وقت معتبر للقراءة لا يقل في البداية عما يُقارب الساعة المتصلة، وحبذا لو كان أكثر من ذلك، مع مراعاة ضرورة عدم قطع القراءة بأي أمر من الأمور – ما أمكن ذلك – حتى لا نخرج من جو القرآن، وسلطان الاستعاذة.

رابعًا: القراءة من المصحف وبصوت مسموع وبترتيل، على أن تكون القراءة هادئة حزينة لاستجلاب التأثر بإذن الله.

خامسًا: الفهم الإجمالي للآيات من خلال إعمال العقل في تفهُّم الخطاب، وهذا يستلزم منَّا التركيز التام مع القراءة.

وليس معنى إعمال العقل في تفهم الخطاب أن نقف عند كل كلمة ونتكلف في معرفة معناها وما وراءها، بل يكفي المعنى الإجمالي الذي تدل عليه الآية حتى يتسنَّى لنا الاسترسال في القراءة، ومن ثَمَّ التصاعد التدريجي لحركة المشاعر فتصل إلى التأثر والانفعال في أسرع وقت.

سادسًا: الاجتهاد في التعامل مع القرآن كأنه أُنزل عليك وكأنك المُخاطَب به، والتفاعل مع هذا الخطاب من خلال الرد على الأسئلة التي تطرحها الآيات، والتأمين عند مواضع الدعاء، والاستغفار في مواضع طلب الاستغفار … وهكذا.

سابعًا: تكرار وترديد الآية أو الآيات التي يحدث معها تجاوب وتأثر مشاعري حتى يتسنى للقلب الاستزادة من النور الذي يدخل عن طريقها، والإيمان الذي ينشأ في هذه اللحظات.

ويستمر ترديد الآية أو الآيات حتى يزول التأثر والانفعال.

ثامنًا: إعادة قراءة الآيات التي يشرد عنها العقل ويتركها ويسبح في أودية الدنيا، أما الآيات التي لم نتأثر بها فليس علينا أن نُعيد قراءتها، لأن التأثر حالة قلبية لا نملك استدعاءها، وهي في الغالب تأتي – بإذن الله – بعد الاسترسال في القراءة بترتيل وصوت حزين وفهم إجمالي، والله الموفق.

ملاحظة:

في حالة تولد الرغبة لمعرفة تفسير بعض الآيات المقروءة أو أسباب نزولها، فمن الأفضل الرجوع للتفاسير بعد إنتهاء القراءة حتى لا نخرج من جو القرآن والانفعالات الوجدانية التي نعيش في رحابها.

وأخيرًا: علينا ألَّا نيأس إن تأخر تجاوب القلب مع القرآن، فلا بديل عنه في تحقيق أهداف التربية الإيمانية، ولا حل أمامنا سوى الاستمرار في قراءته – كل يوم – بترتيل وتدبر وصوت حزين حتى يأتي الفتح من الفتاح العليم.

ولنعلم جميعًا بأن التحدي الأكبر الذي يواجهنا في طريقنا نحو تحقيق التربية الإيمانية الصحيحة هو كيفية اكتساب مهارة تدبر القرآن والتأثر بمعانيه، والمداومة اليومية على تلاوته بهذه الطريقة مهما كانت الشواغل.

فإن نجحنا في ذلك فلنبشر بقرب ظهور الجيل القرآني –الجيل الموعود بالنصر والتمكين–

فهل قَبِلنا التحدي ؟!

.. هيا هيا، فلنبدأ من الآن بأهم خطوة : العزم الأكيد والإلحاح الشديد على الله عز وجل بأن يفتح لنا أبواب القرآن، ويجعل عقولنا تفهم معانيه، وقلوبنا تتأثر بها.

[1] الذل والانكسار لابن رجب.

* يُفضَّل القراءة في مثل مصحف التجويد الذي يوجد على هامشه معاني الألفاظ الغريبة عن فهم القارئ حتى يتسنَّى له معرفة معناها وقت القراءة، دون الحاجة لقطع القراءة والبحث عنها .