الإيمان والحياة

من المستفيد؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه رسالة أتوجه بها إلى نفسي وإلى إخواني المسلمين..

وسبب كتابتها أنني وجدت من نفسي أحوالًا مقلقة، فتارة أجدها فرحة متلهفة للقيام بأعمال بعينها، وتارة أجدها زاهدة في أعمال أخرى قد تكون أنفع لها مما تتلهف عليه، فاحترت في أمرها، وهرعت إلى القرآن أبحث فيه عن حل لهذه المشكلة، فوجدته – كعادته – لا يترك مشكلة تربوية إلا ويحسن تشخيصها، ويصف الدواء الناجع لها..

.. وجدت القرآن يقرر ويكرر بأن المستفيد الأول من قيامي بأداء عمل (ما) هو (أنا) وليس غيري، كما أن الخاسر الأكبر من عدم قيامي به هو (أنا) كذلك..(فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)[الزمر:41].. {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40].

ذكَّرني القرآن بأن الله سبحانه وتعالى غني عني وعن كل عباداتي وأعمالي الصالحة، وأنه – جل شأنه – لا تنفعه طاعتي ولا تضره معصيتي.. {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 131 – 133] .

ومما أثار انتباهي حقيقة عظيمة يقررها القرآن في عدة مواضع وهي أنه ليس بين الله – عز وجل – وبين أحد من عباده نسب إلا بطاعته وتقواه، فأولياؤه هم المتقون، ومِن ثَمَّ فالكرامة على قدر الاستقامة، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة..{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 16، 17] .

وواصلت قراءتي للقرآن فازداد – بفضل الله – انتباهي للآيات التي تؤكد على هذه الحقائق مما ألهب مشاعري واستثار خواطري، فعزمت – بعون الله – على صياغة تلك الخواطر على هيئة رسالة أخاطب بها نفسي، وجعلتها بعنوان: “من المستفيد؟”

و كان مما سجله القلم فيها:

انتبهي يا نفس، وأفيقي من غفلتك، واجتهدي في تدارك ما فاتك، فأنت من تصنعين مآلك، وتخطين بيدك طريق سعادتك وشقائك..

.. أنت – لا غيرك – المستفيدة من صلاحي، وأنت كذلك الخاسرة من ضلالي..

.. جهادي لمصلحتك.. عباداتي لمصلحتك.. إنفاقي لمصلحتك..

إن تكاسلتُ وتأخرتُ عن ركب السائرين في طاعة الله فوجدت إخواني وأقراني يسبقونني فلن ألوم سواك.. وفي المقابل: إن اجتهدت وجاهدت وبذلت فلا تمنى على الله ولا على أحد بذلك.. أتدرين لماذا؟

لأن صلاحك لمصلحتك أنت

لن تتوقف الشمس عن الحركة انتظارًا لمجيئك:

اعلمي أيتها النفس بأنه لن ينتظرني أحد إن كثرت أعذاري، وطال ترددي، سيتعاقب الليل والنهار كما تعاقبا من قبل، ولكني حينها سأكتشف بأنني قد خسرت كثيرًا، وظلمتك أيما ظلم حين حرمتك من خير عميم كان من السهل تحصيله – بعون الله – .

فيا نفسي الأمارة بالسوء:

سأستعيذ بالله من شرِّك، وسأعمل على تذكيرك بما يشعرك دومًا بالخوف من عواقب أمانيك الباطلة، وسأواجهك دومًا بالحقيقة القرآنية {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]..

سأذكرك عندما تريدين التباهي بإنفاق المال في باب من أبواب الخير بقوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272].

و سأقاوم إلحاحك عليَّ بإمساك المال وعدم إنفاقه في سبيل الله ، وسأذكرك بأنني الخاسر بهذا الإمساك،و سأستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وعندما أشعر برغبتك في ظلم أحد من الناس أو المكر به فسأخوفك بما قرره القرآن: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].

وسأذكرك بقول ربك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23].

الانتشاء والزهو بالطاعة:

بعون الله سأراقبك بعد القيام بالطاعات فإن أصابك شيء من الزهو والانتشاء، وبدأت في عقد المقارنات بينك وبين الآخرين “المقصرين” من وجهة نظرك ،فسأكون – بتوفيق الله – حازمًا معك، وسأذكرك بقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية: 15]، وقوله: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18].

وإن وجدتك تمُنِّين على الله عز وجل بالعمل والجهاد في سبيله فسأقرأ عليك {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6].

وإن رأيتك تستكثرين جهدك وكدك في البحث عن حقيقة من حقائق الإيمان فسأذكرك بقوله جل شأنه

: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15]..

وإن رأيتك تتكاسلين عن قراءة القرآن وتدبره فسيكون ردي عليك حاسمًا {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104].

وعند ورود النعم سأجتهد في تذكيرك بضرورة شكر الله عليها، وأنني المستفيد من هذا الشكر، والخاسر من تركه {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

قبل الوقوع في الذنب:

عندما أشعر بمحاولاتك للإيقاع بي في الذنب فسأجتهد – بعون الله – بتذكيرك بمدى الخسارة التي ستلحق بي من جراء ذلك {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} [النساء: 111]، {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ: 50].

وسأذكرك دومًا بقول الله عز وجل على لسان نبيه موسى عليه السلام عندما وجد طغيان بني إسرائيل وانحرافهم عن طريق العبودية لله: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8].

وسأواجهك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 144].

أقول لك هذا كله وأنا على يقين بأنني لن أستطيع أن أفعل شيئًا من ذلك إلا بعون الله وتوفيقه، فأعني يارب.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.