الكاتب: محمد فتح الله كولن
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
(آلِ عِمْرَان:21)
إن الذين أنكروا كل دين حتى مجيء الإسلام، أو قبلوا بعض أمور الدين وأنكروا الله، وأنكروا الآيات الدالة على الله تعالى وعلى وحدانيته فضلوا وأضلوا وصفوا هنا بأنـهم “يكفرون بآيات الله”، كما وصف الذين شقوا عصا الطاعة على الأنبياء الذين أرسلوا وسيلة نجاة لهم وأنـزلت الكتب عليهم بأنـهم “يقتلون الأنبياء بغير حق”. ووصف الذين يعادون الذين يسعون لإقامة الحق والعدالة بين الناس، ويحاولون إزالتهم وُصفوا بصفة ذميمة هي أنـهم “يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس”. والعاقبة التي تنتظر كل هؤلاء عاقبة واحدة وهي العذاب الأليم.
وأمثال هؤلاء لم يستطيعوا البقاء في الدنيا والخلود فيها ولم يستطيعوا منع ارتحالهم إلى دار أخرى ولم يتهيئوا لها، وبتعبير بديع الزمان النورسي لم يستطيعوا قتل الموت وإزالته، ولم يستطيعوا سد باب القبر، لذا يتعذب هؤلاء عذاب الموت قبل الموت، فقد انتهت آجالهم في الدنيا وضحوا بآخرتـهم، فخسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
ولو دققنا هنا فذلكة الآية لرأينا أننا أمام أسلوب لم نعهده. أجل! فلم نعتد كلاماً حول “البشارة بعذاب أليم”. لأن البشارة تستعمل عند الحديث عن شيء جميل ومفرح، وعن شيء يغرق الإنسان في السعادة، ولا تُستعمل عند الحديث عن الأشياء القبيحة والمحزنة. فلا يقال مثلاً لمن توفي والده “هنيئاً لك بموت والدك!”، ولمن أفلس “هنيئاً لك فقد أفلست!”. لذا يجب هنا البحث عن حكمة أخرى وهي -والله أعلم- الاستهزاء بالكفار والتهكم منهم. ومثل هؤلاء الذين أصبحت قلوبهم غلفا تجاه الإيمان وتجاه القرآن، وامتلأت نفوسهم حقداً وغيظاً تجاههما لا شك أنـهم سينفجرون من الغيظ والغضب عندما يسمعون مثل هذه الآيات.
وإذا قمنا بتقييم سياق الآية يمكن ذكر النكتة الآتية: إن الله تعالى فتح أمام هؤلاء طرق الهداية والإيمان وأرسل لهم الأنبياء، وأرسل فيما بعد ورثة الأنبياء الذين يأمرون بالقسط بين الناس، ولكنهم أصروا على إنكار كل هذه النعم وعلى الجحود بـها. أي لم يؤمنوا وقاموا بقتل الأنبياء وبقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس. لذا فذكر ﴿فبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم﴾ (آل عمران: 21) هو من أجل بيان سوء عاقبة هؤلاء من جهة وإنذارهم ثانية بأنهم أضاعوا فرصة ذهبية وبشارة حقيقية.