الكاتب: محمد فتح الله كولن
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
[البقرة : 255]أجل، هو المعبود الأحد، لا معبود سواه. لا يوجد معبود سواه لأن جميع الموجودات من الأزل إلى الأبد ليست إلا ظلالا من نور وجوده، وكل صور الحياة الموجودة في كل أنحاء الكون انعكاس من نوره، وكل موجود وكل كائن هو جلوة صغيرة يستمد وجوده من قيوميته تعالى. وجوده تعالى من نفسه، وحياته وقيوميته من ذاته. كل موجود سواه منه ومن تجلي صفاته وأسمائه الحسنى.
هو الحي القيوم الذي لا يوجد أي شيء قائم بنفسه دون أن يستند إليه، ولا يمكن لأي موجود إدامة وجوده دونه. ولا يمكن إيراد أي تفسير وإيضاح للغز الحياة دون أخذ قيوميته تعالى -التي تعني قيامه بذاته، وقيام كل شيء به- بنظر الاعتبار. ولا يمكن أبدًا إقامة أي أساس صحيح ومعقول لتفسير عالم الوجود ولا دوام هذا العالم إلا به. هو الذات الأوحد والأعظم، وهذان الاسمان من اسمه الأعظم. كل الأشياء والحوادث تجل من تجلياته، والكون كتاب لهذا التجلي، موضوع أمام بني الإنسان ليتفرجوا عليه وليطالعوه وليتأملوه تأمل سائح يريد مطالعة هذا الكتاب وقراءته. والأنبياء
والمرسلون هم بمثابة مرشدين ومفسرين لهذا الكتاب. والكتب السماوية ولاسيما القرآن الكريم أفضل مفسر لهذا الكتاب المذهل الذي يخطف الأبصار بمحتواه وأكثره حيوية وتلونًا وبلاغة.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية الكرسي إنها أكبر آية في كتاب الله وأهمها “وفيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي”.
وتأتي هذه الأهمية من:
١- الأهمية من ناحية المحتوى، لأنها تعلم التوحيد الخالص، وتكون
ترجمانا لـ”صفات الله تعالى”[1]. وهي بشكل مجمل مثل سورة الإخلاص، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة الإخلاص في العهد المكي جوابًا لكل سؤال يوجه إليه حول الله تعالى.
أجل إن كل سورة في القرآن الكريم تملك قيمة سامية، ولكن درجة فضائلها تختلف حسب محتواها.
٢- وتتعلق الأهمية أيضًا بالأجوبة الخارقة التي تعطيها للقارئين لهذه الآيات والسور، وهي تتناسب طرديا مع مستوى إدراك القارئ وسعة أفقه وعمق عالمه الداخلي.أجل إن أهم عامل يلعب دوره في هذا الخصوص هو توجه القلب إلى الله بإيمان عميق. ويشرح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديث له حول شهر رمضان فيقول: “من صام رمضان إيمانا واحتسابًا ُ غفر له ما تقدم من ذنبه[2]، ويتبين من هذا أن الإخلاص هو لب جميع الأعمال وأساسها وروحها.
القيوم: يتوجه هذا الاسم إلى ذات الله تعالى وإلى أفعاله في الوقت نفسه.
بالنسبة إلى ذات الله فهو يعبر عن قدم الله تعالى وبقائه. أما الجانب المتوجه لأفعاله فهو تعبيره عن دوام الموجودات. لأن دوام الموجودات متعلق بدوامه تعالى. وكل ما يذكر في دوام الموجودات من قانون ونظام… إلخ هو أشياء اعتبارية ونسبية. ولا يمكن بقاء الموجودات بمثل هذه القوانين النسبية الاعتبارية. فإن أردنا تبسيط الشرح قلنا إنه يستلزم وجود من يطبق هذه القوانين ويسوقها للعمل، وهو الله تعالى. ولابن عربي رأي آخر في هذا الموضوع نرى من المفيد ذكره هنا.
يقول ابن عربي إن حقائق الأشياء عبارة عن تجليات الأسماء الإلهية. لذا فالوجود في الحقيقة عدم، ولكن هذه التجليات تأتي متتالية الواحدة تلو الأخرى بشكل متتابع بحيث نرى بها أن الأشياء موجودة ونحكم على وجودها. ولو قطع الله تعالى هذه التجليات لحظة واحدة لزالت الأشياء كلها وفنيت.
أجل ! فكما قال الشاعر المتصوف سليمان جلبي:
قال للكون “كن” … فكان
ولو قال: زل” … لزال الوجود
[1] جامع البيان للطبري، 30/٣٤٣. [2] البخاري، الإيمان ٢٨ ؛ ليلة القدر ١؛ مسلم،الصيام ٣، ٦؛ المسافرين 175.