جيل التغيير جيل زاهد في الدنيا بمفهوم الزهد الحقيقي ألا وهو: انصراف الرغبة عن الدنيا ومجافاتها كما قال صلى الله عليه وسلم: (مالي والدنيا ومالي!)(1).
وكيف لا يكون الجيل الموعود بالنصر والتمكين كذلك، وحب الدنيا والرغبة فيها من أهم العوائق التي تحول بين العبد وبين الدخول في دائرة المعية الإلهية. وما أصاب الأمة ما أصابها من ضعف وذل إلا بحبها للدنيا ورغبتها فيها، وإيثارها إياها على الآخرة، ولقد تنبأ رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يُجعل الوهن في قلوبكم، ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت)(2).
لابد إذن من توافر هذه الصفة في الجيل الموعود، وأن يخرج حب الدنيا من قلوب أبنائه… عليه أن يكون شعاره في الحياة “ما قل وكفى خير مما كثر وألهى”.
لا ينبغي عليه أن يفكر كثيرًا في المال، بل ينظر إليه على حقيقته في أنه وسيلة يستجلب بها حاجاته وحاجات أهله الأساسية، ويصون بها وجهه عن سؤال الناس واستجدائهم.
- طموح ولكن.. !!:
إن جيل التمكين جيل طموح، ولكن ماهي طموحاته؟! هل في العلاوة والمنصب والجاه.. هل في شراء أرض لبناء عقار لأبنائه؟!…. هل في زيادة رصيده في البنك؟!
لا، فهذه كلها طموحات دنيوية لا قيمة لها، ولن تفيده في مستقبله الحقيقي هناك في الدار الآخرة.
أما طموحاته الحقيقية فهي عند الله عز وجل، في الفردوس الأعلى… في رؤية مولاه… في مصاحبة رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم.
طموحاته في الشهادة في سبيل الله وأن تكون روحه في حواصل طير خضر…
من هنا فإنه يتعامل مع الدنيا على حقيقتها بأنها مزرعة للآخرة… .
- لا يُساوم:
إن جيل التغيير جيل عابد لله عز وجل، وحر من كل ما سواه…
لا يأسره شيء من حطام الدنيا.. لا تأسره وظيفة يخاف من فقدانها، أو منصب يخشى فواته… .
جيل وضحت عنده الغاية، وتعلق بصره بالسماء، فهدفه الأسمى رضا الله وجنته، أما ما دون ذلك فهو زاهد فيه… لا يعنيه كثيرًا إن كان غنيًا أو فقيرًا… أن رُزق بأولاد أو لم يرزق… أن كان في منصب رفيع أو وضيع.
ومن آثار حرية هذا الجيل أنه غير مقيد بأثقال تمنعه من الحركة: أنه لا يساوم على شيء من هذه الدنيا، فنتيجة المساومة معروفة.
ومما يعين هذا الجيل على الحرية من أسر الدنيا: ألا يتشعب في المشاريع الاقتصادية، وأن يكون زاده في الدنيا كزاد الراكب، فلا يتوسع في كماليات تحتاج منه إلى مصاريف كثيرة تصبح أداةً تضغط عليه، وأثقالًا تربط قلبه بالدنيا.
وليس معنى هذا أن يكون جيل التمكين جيلًا فقيرًا، بل المقصد ألا تشغل الدنيا فكره أو تأسر قلبه، فالمهمة العظيمة المنوطة به تستدعي منه عدم التعلق بشيء سوى الله… تأمل معي هذا الحديث النبوي الشريف لتعرف أهمية عدم تعلق القلب بالدنيا… .
قال صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه: لا ينبعني رجل ملك بُضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبن بها، ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر أولادها…)(3).
فهنا اشترط هذا النبي شروطًا لمن يريد الخروج معه، القاسم المشترك لهذه الشروط هو عدم وجود ما يشغل الذهن، أو يكون وسيلة ضغط على الشخص تجعله متثاقلًا في حركته، يتمنى عدم الموت لكي يعود ويتفقد أشغاله.
من هنا ندرك قيمة توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا)(4).
- من لوازم الحرية:
ومن أخطر الأشياء التي يمكنها أن تجذب أبناء جيل التمكين إلى الأرض وتحد من حريتهم، وتضع الأثقال في قلوبهم، أن لا تكون زوجته وأولاده على مستواه من الفهم، ووضوح الغاية مما يشكل أمامه عائقًا كبيرًا يعوق حركته وتجرده، ولقد بين لنا القرآن في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ (التغابن:14).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة)(5).
من هنا كان من الضروري أن يختار أبناء هذا الجيل لأنفسهم زوجات يشعُرنْ بهموم الأمة، ويدركن حاجتها إلى جيل جديد يُخرجها – بإذن الله – من النفق المظلم الذي تسير فيه منذ زمن طويل، ويدركن أيضًا أن هذا الجيل ليس كبقية الناس في أحلامه وطموحاته الدنيوية، لذلك فلن يطالبن بفرش وثير ومسكن واسع، وسيارة حديثة و… بل سيطالبن أزواجهم ببذل المزيد من الجهد في العمل المطلوب منهم، وليس ذلك فحسب بل سيكُنَّ بجوارهم معينات ومؤازرات، فجيل التمكين ليس قاصرًا على الرجال فقط، بل الرجال والنساء سواءً بسواء…
(1) صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (5669).
(2) صحيح، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود عن ثوبان وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (8183).
(3) متفق عليه.
(4) صحيح، رواه الإمام أحمد، والترمذي، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (7214).
(5) صحيح، رواه أبو يعلى في مسنده، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (7160).