التربية الإيمانية

كيف أحفز نفسي للقيام بالعمل؟

كما ذكرنا في المقال السابق –كيف نزداد بالعمل الصالح إيمانًا؟ أهمية التحفيز للتشجيع على القيام بالعمل، والآن نحن بصدد مجموعة من وسائل تحفيز النفس… ومنها:

أولًا: السؤال:

السؤال يستثير مشاعر الرغبة داخل الإنسان لمعرفة الإجابة، والسؤال كذلك يشغل الذهن بطلب الإجابة، ومن ثمَّ فهو من الوسائل المهمة لتنبيه العقل، فإذا ما انتبه العقل كان من السهل استثارة المشاعر بالوسائل الأخرى .

لذلك علينا أن نسأل أنفسنا قبل أداء العمل:

لماذا أقوم بهذا العمل ؟!

ثم نبحث عن الإجابة من خلال استعراض الوسائل الأخرى التي ستأتي لاحقًا – بإذن الله – وأهمها: تذكُّر أن الله عز وجل يحب هذا العمل، وتذكر فضله وأهميته…

.. تأمل قوله تعالى لموسى عليه السلام :﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 17]

فالله عز وجل يعلم أن ما بيمينه عصا، ولكن المطلوب هو تركيز انتباه موسى –عليه السلام – لأقصى درجة .

والقرآن مليء بالتوجيهات والمعاني الإيمانية التي تسبقها أسئلة، كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10] .

وقوله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ [الكهف: 103] .

وقوله: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ: 1، 2] .

والسنة كذلك مليئة بتوجيهات ومعانٍ إيمانية تسبقها أسئلة :

قال صلى الله عليه وسلم: « أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عنه ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»[1].

وقوله: « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة »[2].

وقوله: « ألا أدلك على سيد الاستغفار ؟! اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء إليك بنعمتك علي، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا يقولها أحدكم حين يُمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يُصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يُصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يُمسي إلا وجبت له الجنة »[3].

فعندما نذهب للوضوء نسأل أنفسنا: لماذا نتوضأ ؟

وعندما نذهب للصلاة في المسجد نسأل أنفسنا: لماذا نصلي في المسجد ؟.

وعندما نذهب لصلة أرحامنا نسأل أنفسنا: لماذا نذهب إليهم ؟ …

وهكذا في كل أعمالنا …

ثانيًا: تذكُّر الله عز وجل

من الوسائل المهمة التي تحفز للعمل، وتوجه النية توجيهًا صحيحًا: تذكُّر الله عز وجل في هذا العمل، وكيف أنه سبحانه وتعالى يحب من عبده القيام بهذا العمل، وأنه – سبحانه – يباهي بنا الملائكة عندما نقوم به، وأن هذا العمل وسيلة لنيل مرضاته، وأن العبودية له سبحانه تستدعي القرب منه بالأعمال الصالحة، فتستثير هذه المعاني – عندما نتذكرها – مشاعر الشوق والرغبة في الله عز وجل .

والآيات التي تؤكد هذا المعنى كثيرة .

منها قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222] .

وقوله:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110] .

وقوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ﴾ [البقرة: 265] .

ونجد في السنة كذلك أحاديث تبدأ بالتذكير بالله عز وجل وأنه يحب من عبده القيام بهذا العمل كقوله صلى الله عليه وسلم:  « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه »[4].

وقوله: « إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء»[5].

وقوله: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت »[6].

.. فإذا قمنا إلي الصلاة في الليل نتذكر أن الله عز وجل يحب أن يسمع صوتنا ومناجاتنا ودعاءنا له، وأن هذا العمل وسيلة من وسائل نيل مرضاته .

وإذا وجدنا أذىً في الطريق نُذكِّر أنفسنا بأن الله عز وجل يحب من عباده الرحماء الذين يشفقون على خلقه، ويحرصون على دفع الضر عنهم …

ثالثًا: التذكير بفضل العمل

النفس البشرية جُبلت على الرغبة في تحصيل أي نفع يُتاح أمامها، لذلك فمن أيسر وسائل استثارة المشاعر تجاه القيام بعمل ما: التذكير بالعائد الذي سيعود على المرء نظير أدائه له، ولقد حفلت نصوص القرآن والسنة بذكر الثواب المترتب على الأعمال لتكون حافزًا  قويًّا للقيام بها .

فعلى سبيل المثال:

من الآيات القرآنية قوله تعالى في فضل الإنفاق: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

وفي فضل الجهاد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾  [الصف: 10 – 12].

ومن الأحاديث النبوية في فضل ذكر الله قوله صلى الله عليه وسلم: «  ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق في سبيل الله وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم .. ذكر الله »[7].

وقوله صلى الله عليه وسلم في فضل الإنفاق: « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله عز وجل يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل »[8].

وفي فضل قيام الليل يقول صلى الله عليه وسلم: « عليكم بقيام الليل ؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد»[9].

فعلينا إذن الاجتهاد بتذكير أنفسنا بفضل العمل قبل القيام به، وهذا يستدعي منا النظر في كتب فضائل الأعمال كالمتجر الرابح للحافظ الدمياطي وغيره .

رابعًا: التذكير بأهمية العمل:

مشاعر الرغبة داخل القلب تستثار كلما أدرك المرء أهمية العمل الذي ينوي القيام به، فعلى سبيل المثال: إذا ما قام العبد بتذكير نفسه قبل قراءة القرآن بأنه سيقرأ كلام الله وما فيه من روعة وجلال، وأنه سيتناول الدواء الرباني الذي فيه شفاؤه، وأنه سيتعرض للنور المبين الذي يبدد الظلمات في عقله وقلبه، وأن الملائكة تقترب منه لتسمع قراءته و…، فإن ذلك من شأنه أن يستثير مشاعر الرغبة والشوق نحوه، فيقبل عليه إقبال الظمآن على الماء .

وإذا ما قام المرء بتذكير نفسه قبل زيارته لمريض أن هذه الزيارة سترفع معنويات المريض – بإذن الله – وتُسرّي عنه، وأنه سوف يجني منها رقة في قلبه، وامتنانًا لربه لأنها ستذكره بنعمة العافية التي يتقلب فيها، و…، فمن المتوقع أن يُقبل عليها بمشاعر متأججة .

وعند الإنفاق في سبيل الله يُذكِّر المرء نفسه بأن هذا الإنفاق قد يكون سببًا في إنقاذ مريض من الموت، وسد حاجة فقير معسر، وشكر لنعمة اليسار والغنى ..

وعند قيام الليل يُذكِّر المرء نفسه بأن هذا القيام هو شرفه وعزه، وأنه من أفضل أوقات استجابة الدعاء، وأنه يعطي قوة في البدن وانشراحًا في الصدر، وبركة في اليوم .

خامسًا: الترهيب من ترك العمل

من طبيعة النفس أنها إذا ما خُوفت خافت، فإذا ما نجحنا في تذكير أنفسنا بخطورة ترك العمل الصالح أو التهاون في أدائه وما قد يترتب على ذلك من أضرار في الدنيا والآخرة ؛ فإنها ستدفعنا للقيام به .

يقول أحد الأصدقاء: توجد لوحة إرشادية على أحد الجدران الخارجية لمسجد يقع على طريق سريع، مكتوب عليها: نظرًا لكثرة حوادث العبور من الطريق السريع عليك باستخدام نفق المشاة..

ويستطرد قائلًا: كلما قرأت هذه اللوحة أجد نفسي تدفعني للعبور من النفق .

من هنا نقول: بأن من الوسائل المهمة لاستثارة مشاعر الرهبة والشعور بالخطر الدافعة للعمل: التذكير بخطورة ترك العمل الصالح، أو بخطورة الإقدام على فعل المعاصي .

وهنا الكثير من الآيات والأحاديث التي تتحدث في هذا الشأن .

ومن ذلك قوله تعالى في الترهيب من ترك الإنفاق: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38] .

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الترهيب من عدم إتمام الصلاة: « أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته »، قالوا: كيف يسرق من صلاته ؟ قال: « لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها »[10].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الترهيب من الظلم: « اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأَنْصَرَنَّك ولو بعد حين »[11].

تستكمل الوسائل في المقال القادم بإذن الله


[1] أخرجه مسلم ( 8/18 ).

[2] حديث صحيح: أخرجه أبو داود (4/280، رقم 4919)، والترمذي (4/663، رقم 2509). وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم ( 2595 ) .

[3] حديث صحيح:  أخرجه الترمذي (5/467، رقم 3393)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم ( 2612 ) .

[4] حديث حسن:  أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/334، رقم 5312)، وأبو يعلى (7/349، رقم 4386)، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ( رقم: 1880).

[5] حديث صحيح: أخرجه الترمذي (3/609، رقم 1319)، والحاكم (2/64، رقم 2338)، وصححه  الشيخ الألباني  في السلسلة  الصحيحة برقم ( 899 ) .

[6] متفق عليه، أخرجه البخاري (5/2240، رقم 5673)، ومسلم (1/69، رقم 48) .

[7] حديث صحيح: أخرجه الترمذي (5/459، رقم 3377)، وابن ماجه (2/1245، رقم 3790)، والحاكم (1/673، رقم 1825)، وأحمد (5/195، رقم 21750)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3/139، برقم 2688 ) .

[8] متفق عليه: أخرجه البخاري (2/511، رقم 1344)، ومسلم (2/702، رقم 1014).والفلو: بفتح الفاء، وضم اللام، وتشديد الواو، هو الفرس أول ما يولد .

[9] حديث صحيح: أخرجه الترمذي (5/552، رقم 3549)، والبيهقي (2/502، رقم 4425)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 4079، بدون لفظة (ومطردة للداء عن الجسد) فإنها ضعيفة عنده .

[10] حديث صحيح: أخرجه أحمد (5/310، رقم 22695)، والحاكم (1/353، رقم 835)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (رقم: 986).

[11] حديث صحيح: أخرجه الطبراني (4/84 رقم 3718)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ( رقم: 117).