التربية الإيمانية

التشجيع، و التذكير، و القدوة، و القصة من وسائل التحفيز

ومن الوسائل التي نحفز بها أنفسنا وغيرنا عند القيام بالعمل:

سادسًا: التشجيع

من الحوافز ذات الأثر البالغ على النفس: استشعار المرء تقدير الآخرين له، فيؤدي ذلك إلى فتح منافذ الاستماع لهم، وزيادة الرغبة في القيام بما يطلبونه منه.

هذه الوسيلة ينبغي أن نستخدمها مع أنفسنا أو مع الآخرين في حدود ضيقة حتى لا تأتي بنتيجة عكسية وتتحول إلى صورة من صور المدح الذي يؤدي إلى استعظام المرء لنفسه، وشعوره بالأفضلية الذاتية على غيره.

والمتأمل في القرآن والسنة يجد مواقف عديدة استُخدمت  فيها هذه الوسيلة في التحفيز للقيام بالعمل.

فعلى سبيل المثال: كثيرًا ما يتكرر في القرآن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قبل التوجيه إلى العمل المطلوب .. هذا النداء فيه من التقدير والتشجيع ما يحفز النفس للقيام بالعمل.

وفي الخطاب الموجه لليهود نجد أن القرآن يناديهم بقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: يا أبناء النبي إسرائيل، فيكون هذا النداء بمثابة استدراج لهم لكي يستمعوا لما سيُتلى عليهم.

وتأمل قول الملائكة لمريم الصديقة: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾  [آل عمران: 42] فهذا لون من ألوان التقدير الخاص، ليأتي التوجيه في الآية التالية: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: 43].

وعندما أراد موسى -عليه السلام – أن يدخل ببني إسرائيل الأرض المقدسة ظل يحفزهم بهذه الطريقة قبل أن يطلب منهم هذا الطلب: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 20، 21].

وانظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لمعاذ بن جبل: « يا معاذ: والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تَدعَنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك »[1].

ولك أن تتخيل وقْع كلمة: «يا معاذ: والله إني لأحبك» على نفس معاذ، وكيف سيستقبل الكلام بعدها ؟!

سابعًا: التذكير بالمواقف الإيجابية السابقة

فمن الوسائل التي تثير الهمة، وتدفع للقيام بالعمل: تذكر المواقف الإيجابية التي مرت بالمرء في حياته ولها علاقة بالعمل المراد القيام به في الحاضر، فعندما يجد المرء في نفسه تكاسلًا عن قيام الليل يُذَكِّر نفسه بيوم كذا وكذا عندما قام نصف الليل وكيف كان ذلك ممتعًا وسهلًا على نفسه، وعندما يستشعر عدم جدوى القيام بعمل ما نتيجة ضيق الوقت وقلة الإمكانات فعليه أن يُذَكِّر نفسه بمواقف إيجابية تعرض لها من قبل وكانت الظروف أشد، ومع ذلك أكرمه الله بالتوفيق والنجاح ..

تأمل قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63].

في هذه الآيات تم التذكير بمواقف سابقة تجلت فيها قدرة الله وتأييده ليأتي التوجيه بعد هذا التذكير ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنفال: 64، 65].

ثامنًا: المحاورة والإقناع والموازنة العقلية (تخيير النفس ):

عندما يقتنع المرء بأهمية وقيمة العمل المطلوب قيامه به ومدى نفعه له، فإن ذلك من شأنه أن يدفعه لأدائه بمشاعر الرغبة والاحتياج، وكذلك عندما يقتنع بخطورة وضرر العمل الذي يود فعله فإنه سيتركه بإرادته ..

من هنا تبرز أهمية الحوار والإقناع سواء كان بين المرء ونفسه، أو بينه وبين الآخرين.

ومن الضروري أن ينطلق الحوار من قاعدة مفادها أن «صلاحك لمصلحتك»، وأنك المستفيد الأول من قيامك بالعمل الصالح، وأنك – أيضًا –  الخاسر من عدم قيامك به.

فالنفس لا تحب أو  ترضى بفوات مصلحة تنفعها، أو الوقوع في ضرر يؤذيها، لذلك نجد القرآن يستخدم هذه الطريقة في الإقناع : ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [الإسراء: 7].

﴿ أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ؟!  ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾  [فصلت: 40].

﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [الإسراء: 15] .

﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا﴾ [الإسراء: 106، 107].

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ [الأنعام: 104].

فهذه الآيات وغيرها تضع المرء في مواجهة مع نفسه، وتُشعره بالاحتياج الشخصي للعمل، وأنه الفائز إن عمله، والخاسر إن تركه ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: 20].

وعندما طلبت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم التوسعة في النفقة نزل القرآن يحاورهن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 28، 29].

وتأمل الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الشاب الذي أتاه يطلب منه أن يأذن له بالزنا:

فعن أبي أمامة  قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه، مه ! فقال: « أدنه ».فدنا منه قريبًا. قال: فجلس. قال: « أتحبه لأمك ؟ »، قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: « ولا الناس يحبونه لأمهاتهم».قال: « أفتحبه لابنتك ؟ »، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: « ولا الناس يحبونه لبناتهم ».قال: « أتحبه لأختك ؟ »، قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: « ولا الناس يحبونه لأخواتهم ».قال: « أتحبه لعمتك ؟ »، قال: لا والله، جعلني الله فداك.قال: « ولا الناس يحبونه لعماتهم ».قال  « أتحبه لخالتك ؟ »، قال: لا والله، جعلني الله فداك.قال:  « ولا الناس يحبونه لخالاتهم ».قال: فوضع يده عليه وقال: « اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه ».فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء[2].

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهره أو يُوَبخه عندما طلب منه هذا الطلب المحرم، بل حاوره، ووصل به إلى القناعة التامة بأن هذا لا يصلح.

وهذا عبد الله بن رواحة عندما وجد في نفسه بعض التردد عند في معركة مؤتة، ظل يُحاورها، ويقول لها:

أقسمت يا نفس لتنزلنه … طائعة أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنه … ما لي أراك تكرهين الجنة

قد طالما قد كنت مطمئنة … هل أنت إلا نطفة في شنه

يا نفس إلا تقتلي تموتي … هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت … إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخرت فقد شقيت

فعلينا أن نستخدم هذه الطريقة في التحفيز، وبخاصة عندما نجد في أنفسنا تكاسلًا عن أداء الأعمال .. فعلى سبيل المثال: عندما نسمع آذان الفجر، ونجد في أنفسنا خمولًا وتكاسلًا عن القيام، علينا أن نُحاورها ونتحدث معها بمثل هذه الكلمات:

.. لا بأس من النوم والراحة .. ولكن من سيدفع الثمن؟ من المتضرر؟

.. من الذي سيفقد بركة هذا اليوم؟

.. من الذي سيبتعد عن ذمة الله في هذا اليوم؟

.. وعندما نجد في أنفسنا شُحًّا بالمال، وعدم رغبة في الإنفاق، علينا أن نُحاورها ونُبيِّن لها حجم الخسارة التي ستعود عليها من ترك الإنفاق، وحجم المكاسب المترتبة على الإنفاق.

وعندما نجد أولادنا يتكاسلون عن أداء الصلاة أو أي عمل آخر علينا أن نستخدم معهم هذه الطريقة.

تاسعًا: التحفيز من خلال إبراز قدوة:

من طبيعة النفس أنها لا تُحب أن يسبقها أو يتميز عليها أحد، لذلك علينا أن نستثير مشاعر الغيرة، ونوجهها التوجيه الصحيح نحو القيام بالعمل المطلوب من خلال التذكير بأناس قاموا به وبغيره على أحسن وجه.

فتقول لنفسك قبل الإنفاق: تذكري فلان الذي كان يُنفق كذا وكذا، ولم يترك لنفسه إلا القليل ..

تذكري الصحابي عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى الذي لم يترك الصلاة في المسجد.

تذكري أبا بكر الصديق الذي أتى بماله كله لتجهيز جيش العسرة ..

والقرآن مليء بالآيات التي تُحفِّز المسلمين للقيام بالعمل الصالح من خلال ذكر نماذج بشرية قامت  به خير قيام، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل: 120، 121].

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146].

والقدوة الحاضرة أقوى في التأثير في النفس من غيرها، فكما قيل: « عمل رجل في ألف رجل، أفضل من قول ألف رجل لرجل ».

وأيضًا: « إذا أردت أن تكون إمامي، فكن أمامي »، و « القدوة إمامة بلا إمارة ».

عاشرًا: القصة:

( للقصة دور بارز في تحريك المشاعر، وإبراز العواطف، وتثبيت الأفكار في الأذهان، فهي لا تحتاج إلى جهد كبير لنقل أفكارها إلى النفس .. لأن من شان النفس الإنسانية إذا مرَّت بحدث من الأحداث أن تتفاعل معه.

كما لا يخفى ما للقصة من دور في التأثير على نفوس المخاطبين بها، إذ لا تنتهي القصة إلا ويكون المستمع أو القارئ أو المشاهد قد عاش في تجربة نفسية، وقطع رحلة طويلة بحسب طول القصة، تترك في النفس آثارًا وجدانية وروحية)[3]، وأصبح مهيئًا أكثر وأكثر للقيام بما تدل علي القصة.

فعلى سبيل المثال:

عندما نقرأ حديث « إنما الأعمال بالنيات »، فهو بلا شك يُذكرنا بأهمية الإخلاص لله عز وجل، لكننا نجد أنفسنا أكثر تأثرًا ورغبة في الإخلاص عندما نقرأ القصة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام عن الثلاثة الذين كانوا في سفر فدخلو غارًا يستريحون فيه، فانطبقت عليه صخرة، فدعوا الله بإخلاص، وتذكروا أعمالًا يظنون أنهم كانوا فيها من المخلصين حتى تزحزحت الصخرة فخرجوا من الغار سالمين.

.. لذلك من المناسب تذكير أنفسنا بقصة مؤثرة لها علاقة بالعمل الصالح الذي نود القيام به، وبخاصة مع تلك الأعمال التي ألِفْنا القيام بها فأصبحت تؤدى بلا روح.


[1] حديث صحيح: أخرجه أبو داود (2/86، رقم 1522)، والنسائي في الكبرى (6/32، رقم 9937)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (رقم:   7969).

[2] حديث صحيح: أخرجه أحمد (5 / 256 – 257)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (712).

[3] التعبير القرآني للجيوسي (481 –  482)باختصار .