الكاتب: أديب إبراهيم الدباغ
حينما يعيش المرء منا مع كلمات الله، يجد لها روحًا خاصًا، و يفتح الله له مما أُغلق، و يريه من مكنونات حكمته و إرادته في الأرض ما لا يتاح لغير المطيل مع القرآن، فالقرآن كنز الله الذي إذا ما فُتح من أبوابه لعبد سعد سعادة الدارين، ورقى رُقِيًّا عالي الشأن..
يقول الأستاذ أديب إبراهيم الدباغ في وصفه لكتاب الله:
القرآن الكريم كتاب الله المنزل على قلب محمد ليسترشد به الجنس البشري، و ليستقر عليه الكون و الوجود، و عليه تقوم قيامة العالم، و به يشقى من يشقى و يسعد من يسعد.
والقرآن يرفعنا فوق العالم إلاَّ أنه لا يطلب مِنا الانسحاب منه، و يعلو بنا فوق الكون في الوقت الذي يريد منا أن نتنبه لأقل جزئياته بداهًة وُ ألفًة، و يغوص بنا إلى أعماق موغلة في الإنسان لنصغي معًا لأَخفى أنَّات روحه، و أوهن أوجاع قلبه، وإلى مناطق بكرٍ غير مكتشفة من قارَّات الروح يأخذنا ” القرآن ” و يرتاد بنا أبعادًا هائلة، و قممًا عالية جدًا، ثم يحذرنا من الالتفات إلى الوراء وإلاَّ دار رأسنا وربما هوينا من شواهق ما وصلنا إليه إلى سحيق وديان ما كنا فيه .
وهو يسمو بوجداننا فوق العقل إلاَّ أنه يظلُّ يذكِّرنا بأنه -أي العقل – معراجنا مع الوجدان في هذه الفوقية، ويخترق بنا آماد الزمان والمكان حتى لنكاد نشعر بأمواج الأبدية وهي تضرب شواطئ أرواحنا، وتنساب إلى دواخلنا، وفي برزخٍ بين أن نكون -بشرًا سويًا- أو ألاَّ نكون، يوفقنا القرآن لنرى رأينا ونحزم أمرنا.
وشتيت الروح، وانقسامات النفس، وتشعبات الفكر، وزائغات النظر، تجد في القرآن ما يلم الشتات، ويوحد الشِعب، ويجمع المقسمات، ويعيد للبصر وحدة النظر ليزداد حدًَة وقوًة فيرى “اللاَّمرئي” فينا، “واللامرئي” في الكون والوجود.
والقرآن – بعد ذلك- ينبوع قوة يتدفق من قوى غيبية ليستقوي به الضعفاء، و يحيا به الأموات، و هو العقل المبعوث لجنون كل الأعصار، وشعاع الروح الأزلي فوق ظلمات القلوب و النفوس، فكلماته مُحمَّلة بسحائب الحياة، و آياته تقطر أنداءَ جمالٍ و جلالٍ، و بمقدار ما يجهل الإنسان منه يكون جهله بنفسه و بالكون و بالوجود من حوله.
إنه باعث غريزة التوحيد وفطرته من كوامن الإنسان، وهو عين العالم و قلبه، كم من عقلٍ غُيِّر، و كم من روح سما، و وجدان ارتفع به، إن قوانين الفطرة ونواميس الكون تتألقان في سماء كلماته و آياته، و في ثناياه يرقد العقل كله، و منه تستنشق أنفاس الحياة، و فيه تأتلف قوى الطبيعة والفضيلة، ويغوص الكلُّ في فيض من الحب الإلهي، وهو يعزز قوى الحواس، ويفتح نوافذ الخيال، ويؤجج ثورة عشقٍ في سويداء القلوب والأرواح، أما نبلاء الفكر فإنهم يجدون فيه النبل كله، والشهامة كلَّها، و العظمة كلَّها… و كم من خيالٍ َفتنه، و مِذْواقٍ سحره، و بلاغةٍ ركعت لبلاغته.
بنداءَاتِهِ قَلَب السماء فانتفضت حتى غدت جعبة سهام.
لقد هز محمد صلى الله عليه وسلم بنداءاته نارية تنطلق لتصمي أفئدة الشياطين وأتباعهم من المشركين، أينما وجدوا وحيثما كانوا.