الإيمان والحياة

ما وراء الحدث

بعد فشل الحملات الصليبية، وسقوط القسطنطينية في أيدي المسلمين، شعر الغرب بصعوبة هزيمة المسلمين عسكرياً وكسر شوكتهم، وتفتيت دولتهم

، فعقدوا المؤتمرات الطويلة للتفكير في بدائل تحقق مرادهم، وكان من نتائج هذه المؤتمرات الاتفاق على إرسال أكبر قدر ممكن من الأفراد للعالم الإسلامي تحت مظلة التجارة أو طلب العلم، على أن يقوم هؤلاء بجلب كل ما يمكن جلبه من كتب، وتسجيل كل ما يحدث في بلدان المسلمين وإرسالها إلي علماءهم في الغرب لدراستها واستخراج مكامن القوة عند المسلمين، وقام المستشرقون بواجبهم خير قيام، وانتهوا إلى توصيات صيغت في خطط تم تنفيذها بدقة على الأمة الاسلامية، وتحقق من خلالها مراد الغرب من تفتيت وحدة الأمة وتنحية الشريعة الإسلامية عن منصة الحكم، ولم يكتفوا بذلك بل استمروا إلى يومنا هذا في مراقبة أوضاع الأمة والحيلولة دون نهوضها مرة أخرى، وتنوعت أساليبهم في تحقيق تلك الأهداف، ومن ذلك تفننهم في ابتكار الوسائل التي تحطم معنويات المسلمين، وتُشعرهم باليأس، وتجعلهم يفقدون الأمل في عودة مجد الإسلام من جديد.

فمن تلك الوسائل تسريبهم المعلومات عن خططهم للسيطرة على بلاد الإسلام، وكشفهم للطرق التي يستخدمونها لإذلال المسلمين مع إدراكهم عدم قدرتهم للرد عليهم فتكون النتيجة: مزيدا من الانكسار الداخلي في النفوس، ولعلنا نتذكر تلك الصور التي نشرتها وسائل الإعلام بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، والتي تبين حجم التعذيب والإهانة وإهدار الآدمية التي تعرض لها أهل العراق المسلمون فيما سمي وقتها بفضيحة (سجن أبو غريب)، ولا يخامرني شك في أن نشر هذه الصور بهذه الطريقة كان متعمدًا – إلى حد كبير- ليخدم بالدرجة الأولى مخطط أعداء الإسلام الذي يرمي إلى إضعاف الروح المعنوية للمسلمين، والعمل على تيئيسهم، ونشر الشعور بالإحباط بينهم، والدليل على ذلك تلك الحالة التي أصابت الكثير من المسلمين آنذاك والتي اضطرت بعضهم للذهاب إلى عيادات الطب النفسي للتخلص من الشعور بالكآبة والإحباط الذي أصابه.

الرسوم المسيئة:

أخي.. تصور معي هذا المشهد:

بينما رجل يجلس آمنًا في بيته بين زوجته وبناته، إذ بعصابة من المجرمين يقتحمون داره، ويلتفون حوله، وبعد تدافع بينهم يتمكنون من الإمساك به، وشدِّ وثاقه، لينتشروا بعد ذلك في بيته ويبدأون بالعبث في محتوياته، ثم إذا بأيديهم تمتد إلى زوجته وبناته وهو يصرخ ويصرخ ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ويشتد صراخه ولا مجيب، ثم يتركون النساء ويرتاحون قليلاً، ليعيدوا الكرة بعد ذلك فيصرخ ويصرخ ولكن ليس كالصراخ الأول فقد بدأت بوادر الانكسار تظهر عليه.. وبمرور الوقت يخفت صوته شيئاً فشيئاً حتى يتلاشى..

هذا المشهد ينطبق إلى حد بعيد مع حال أمتنا وما يفعله بها أعداؤها.

ويكفيك تأكيدًا على هذا المعني ما حدث في موضوع نشر الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي عام 1427هـ (2006م) نشرت جريدة في الدانمارك رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فانتفض العالم الإسلامي وخرجت الجماهير الغاضبة في مظاهرات حاشدة تشجب وتندد، وعقدت المؤتمرات، وتوالت البيانات التي تستنكر الحدث و…، ثم هدأت العاصفة..

وبعد قرابة العامين أعيد نشر الرسوم مرة أخرى في أكثر من جريدة دانماركية وأوروبية، فثار العالم الإسلامي مرة أخرى ولكن بصورة أقل بكثير من المرة الأولى، وهكذا ينجح أعداؤنا- ولو مرحليا- في تحطيم معنويات المسلمين، والدفع بهم نحو مزيد من الانكفاء على الذات والانغماس في الملهيات، وقتل الأمل في نفوسهم، وبذلك لا تقوم لهم قائمة، ولا يعلو لهم صوت، فهم يعلمون جيداً أن الهزيمة النفسية هي أشد أنواع الهزائم فتكاً بالأمم والأفراد..

ولعلنا بفضل الله من خلال هذه الرؤية ندرك أسباب عرض الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يريدون من خلال عرضه تعميق الشعور بالهزيمة النفسية داخلنا عندما نجد الإهانة توجه إلى رمزنا وقدوتنا وإمامنا ولا نستطيع رد تلك الإهانة ومحاسبة فاعلها، فهل نحقق مرادهم ونستسلم لمخططاتهم، أم ننشغل بحل القضية الأساسية؟

إن الحل الحقيقى هو عدم التجاوب مع هذه الأعمال الرخيصة، والانشغال بالجد والعمل في تغيير الأمة من الداخل حتى تعود إلى صحتها مرة أخرى، وساعتها لن يجرؤ أحد من هؤلاء الحاقدين على توجيه أي إهانة للأمة، بل سيحسب لذلك ألف حساب، وإن غداً لناظره قريب.