التربية الإيمانية

معالم العزيمة

إن لكل طريق معالم يهتدي بها السالكون في ظلمات البر والبحر، أو في وضح الشمس والنهار علي سواء، كما قال تعالي:(وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)

{النحل:16}.

فإذا عزمت علي السير فاحفظ طريقك، وانتبه إلي معالمك، كما جاء في الأثر:”إن لكم معالم فانتهوا إلي معالمكم…”،ولا يتم للعبد إيمان، ولا يتجدد في قلبه يقين، إلا بقدر ملاحظة هذه المعالم الهادية أو أصولها الجامعة مثل:

1-إجلال المولي سبحانه وتعالي وتعظيمه وتوقيره:

والمراد استشعار هذه المعاني علي أوفي الوجوه، وتربية القلب، والجوارح علي أساسها، وتذكير النفس دائمًا بأنه سبحانه هو رب الكون ومليكه، وهو خالق كل شيء ومدبره، وهو القائم علي كل نفس بما كسبت، وبيده وحده أزمّة الكون، وناصية المخلوقات:(مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا){هود:56}.

وهو سبحانه العليم الخبير، يرانا ويسمعنا، ويحيط بنا، السر عنده علانية، والغيب عنده شهاده.

وهو سبحانه الفعال لما يشاء:(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) {النجم:43،44}.

وبالإجمال: فكل كمال خطر ببالك فالله تعالي فوق ذلك. وأعلي وأجل من ذلك، ولا تستطيع اللغات أن تحيط بجلال الذات، أو بعظمة الصفات:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) {الشورى:11}.

وهذا الإجلال من أعظم القربات والعبادات، وقد جاء في الحديث: “أجلّوا الله يغفر لكم”[i]

فإذا داوم العبد علي استشعار هذه المعاني الجليلة، وأجال فيها فكره ومشاعره، انقدح في قلبه نور الإيمان، وأضاء له أمره، واستضاءت به حياته وسائر أحواله ولذلك جعل الله تعالي هذه الحال وصفًا لأولي الألباب فقال تعالي:(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ) {آل عمران:191}.

وأعظم ما يعين العبد في هذا الجانب أن يتذكر دائمًا فقره وحاجته دائمًا لمولاه، وأن يتذكر دائمًا نعم المولي السابغة عليه هو بذاته، في نور عينيه وسمع أذنيه، والهواء ينساب لينا هادئا غلي رئتيه، ثم الأعاجيب في مخه وعظمه، وعصبه وشعره، وكثرة لطف الله تعالي به، ولولا فضل الله تعالي لأزعجنا وجيب قلوبنا في صحونا ومنامنا، وبالجملة فهو حفي ودود بخلقه، وصدق ربنا:(وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ……){إبراهيم:34}.

ثم إذا تأملت صفات القوة والعزة، وأنهما له جميعا علي أوفي الكمال، فهو الفعال لما يشاء، وهو نافذ الأمر والسلطان، يقول للشيء كن فيكون، وله القهر والجبروت:(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) {الأنعام:18}.

ومن كان يتردد فليتابع كأس المنون كيف يدور؟ ولينظر عاقبة أعداء الله في الأرض، وانتظام العقوبة فيهم:(فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) {الملك:18}.

فهذا وذاك:(أي ملاحظة النعمة والقوة) يقدحان في نفس العبد وسلوكه حبًا وذلًا، ورجاء وخوفًا، ورغبة ورهبة، وإقبالًا ومودة وحسن مراقبة، واستحياء من أن يراه مولاه حيث نهاه، أو أن يطلع منه علي قلب فاسد النية، خبيث الطوية، عفن الرائحة!!

وإنما همة العبد- حينئذ- أن ير منه مولاه المنعم المتفضل، والقوي الظاهر كل خير وبر، ظاهرًا وباطنًا.

وهذا أمر لا نطيل فيه فإنه أول حروف الهجاء في كتاب التوحيد والعبودية.

وإنما مقصودنا الاهتمام بتركيز الاجتهاد فيه، حتى يصير طبعًا غالبًا، وخُلقًا متمكنًا راسخًا.

منقول من كتاب آن الأوان لتجديد الإيمان للأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد.


[i] رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلي في مسنده عن أبي الدرداء رضي الله عنه