بين الإيمان والحياة علاقة حيوية، تظهر هذه العلاقة بشكل إيجابي إذا زاد الإيمان ، وتظهر أيضا لكنها بشكل سلبي إذا قل الإيمان. فالإيمان هو ترمومتر الحياة – إذا جاز التعبير – .
ومسألة الإيمان الحي والعمل على الوصول إليه مسألة غابت عن بعضنا إن لم يكن أكثرنا لفترة طويلة، ومنذ غاب الإيمان الحي عن ساحات القلوب تحولت ساحات الحياة إلى عراك وأخذ وجذب، وقلت نوعًا ما الأخلاق التي هي أساس من أسس ديننا، بل لا نبالغ إن قلنا أنها مهمة النبي الأولى: « إنما بعثت لأتمم صالح – وفي رواية: مكارم- الأخلاق..
وهنا معنى مؤلم، وهو أننا بانشغالنا عن الاهتمام المستمر بإحياء الإيمان في القلوب أوصلنا إلى أننا صرنا نهدم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء ليتممها، وأغلبنا – إلا من رحم الله – ينقضها، قال تعالى” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ” [محمد : 22].
ومكمن الأمر يرجع إلى أن الأخلاق الطيبة إنما هي نتائج طبيعية للإيمان الحي في القلوب، فما الإيثار، والوفاء، والرجولة، وحب الخير للناس، ولين المعشر، واحتواء الناس، وكظم الغيظ، والعفو عن المسيء ما كل هذه الأخلاق الطيبة التي نسأل الله أن يرزقنا بها إلا ثمار لهذه المشاعر الحية التي يبتغي بها صاحبها القرب من الله وفعل ما يرضيه.
لكن الواقع المُشاهد في حياتنا سواء على الجانب الشخصي أو الأُسري أو الاجتماعي أو الوظيفي يعكس صورة واضحة كل الوضوح عن إيمان خامد مخدر في القلوب، وإن أردت الاستدلال على كلامي فانظر – إن شئت – إلى تعامل الناس مع بعضهم في وسائل المواصلات، أو تعامل المدير مع مرؤوسيه، أو رب البيت مع زوجه وأولاده.. انظر إلى نسب الطلاق التي تصل في بلادنا إلى حد مفزع.. انظر إلى التفنن في أنواع الإيذاء النفسي والمادي إذا ما كان لأحد مظلمة عند أخيه، الأمر الذي ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « وإذا خاصم فجر»، وساحات المحاكم أصدق دليل على ذلك.
وعقوق الوالدين.. والرشوة.. والاختلاس.. وأكل أموال الناس بالباطل… وغيره وغيره .. كل ذلك يعكس مستوى إيماني ضعيف على مستوى الأفراد والمجموع.
كل هذه صور سريعة مما يحدث في واقعنا..
كيف يُحسِّن الإيمان السلوك؟
إن الإيمان يحرك المشاعر ويؤثر فيها ترغيبا وترهيبا، ترغيبا فيما ينفعها ويقربها إلى الله في الدنيا والآخرة، لذا نجد أصحاب الإيمان الحي يتغاضون عن أشياء كبيرة في مقابل أن يرضى الله عنهم.
ولسان حالهم: أَعْفُ لعل الله يعفو عني.. أقابل السيئة بالحسنة لعل الله يقابل عظيم إساءتي بعظيم إحسانه.. أتنازل عن مظلمتي لعل الله يتنازل عن معاقبتي.
وترهيبًا من الظلم والتجاوز، وأهم من ذلك رهبتهم من أن يبعدهم الله عنه، وهذا هو العقاب الأشد ، والله قدَّمه على العذاب الحسي يوم القيامة فقال: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ﴾ [المطففين : 15 ، 16]، فأعظم العقاب أن يبعدنا الله عنه، والمحروم هو من حُرِم رحمة الله التي وسعت كل شيء.
المهم في كل ذلك أن الدافع نحو فعل الخير وبكل سهولة، والمانع عن فعل الشر والانتصار للنفس هو اتجاه المشاعر بحرارة نحو ما يرضى الله ، وهذا هو مقصود الإيمان الأعظم، وهذه هي ثمراته الطيبة.
وبذلك تختفي مشكلاتنا أولا بأول، ونتعامل بالفضل، ونتجاوز الشرور، فتصلح نفوسنا، ودنيانا ونفوز بآخرتنا، ونفرح بربنا يوم نلقاه.
لذا فكل من أراد أن يحيا قرير العين، هانئ النفس، منشرح الصدر.. من أراد أن ينتشر الخير ويظهر، ويختفي الشر ويخبو فليهتم بزيادة الإيمان في قلبه وقلوب من حوله، “وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ” [التغابن : 11].
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.