يُخطئ من يظن أن الإيمان فقط داخل دور العبادة ، أو أنه مجرد شعائر تؤدي ، وصلوات تُقام ، إن الإيمان مع الإنسان في كل شيء في حياته، وهو القوة الحقيقية التي تزيد من عطائه في كل نواحي الحياة ، في بيته ، في عمله ، في مذاكرته.
بل إن الإيمان يأتي كقوة خارقة تكمن في داخل الإنسان ، وتظهر في لحظات الشدة والمصاعب ، تظهر لتحقق المستحيل ، وتحقق الصعب ، وتحطم الحواجز ، وتًكسر السدود حتى يصل الإنسان إلى ما يريد ، ويُحقق أحلامه وطموحه.
واليوم نحن مع سلوك لا يستطيع الإنسان الوصول إليه إلا بالإيمان ، الإيمان فقط هو الذي يستطيع أن يجعله يتجاوز محنته ، ويتخطي أزمته .
كثير ما يمر بالإنسان لحظات حرجة ، يكون فيها في مفترق الطرق ، تتلاطمه فيها أمواج الحياة بمشاكلها ومنغصاتها ، فتقتل الابتسامة في وجهة ، وتقضي على الفرحة في قلبه ، تضيق عليه الدنيا بما رحبت ، تستحكم حلقات الضيق عليه حتى يظن أنها لن تفرج أبداً ، حتى يتسرب اليأس إلى نفسه ، والخور وضعف الهمة إلى قلبه ، فيقعد مستسلماً واضعاً يده على خده منتظراً حتفه ونهايته على الوضع الذي تقتضيه الأحداث دون أن يُحاول أو يُقاوم .
ويأتي الإيمان كقوة دفع حقيقية كي يُكسب صاحبه القوة والشجاعة ، ويلبسه حُلة الأمل والقدرة على التغيير للأفضل ، والتحكم في مجريات الأمور ، إنه خلق التفاؤل الذي يبعث في النفس الحيوية ، ويُجدد فيها النشاط ، ويُكسبها القوة والقدرة على التصدر للأحداث مهما عظم خطرها ، ومهما استفحل أمرها ، فيبددها وينتصر عليها.
مصدر التفاؤل :
الإيمان هو المصدر الحقيقي الذي يستقي منه الناس تفاؤلهم في الحياة ، فهو المعين الصافي الذي يتزودون منه ، ويُثبتهم إذا ادلهمت الخطوب ، ويمنحهم القوى إذا أصابهم الضعف ، ويملأ قلوبهم باليقين إذا تسرب إليهم اليأس ، إنه الإيمان الذي متى رسخ في قلب العبد حطم الصعاب وتخطى الحواجز ، واجتاز السدود ، وتغلب على كل العقبات.
الإيمان مصدر تفاؤل المؤمن لأنه يمنحه القوة الحقيقية التي لا تُقهر ولا تُهزم ، لأن المؤمن يعلم أن الله هو القادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
الإيمان من أكبر المصادر التي تمنح الإنسان التفاؤل والإقبال ، فالمؤمن يعتقد اعتقاداً جازماً بهيمنة الله على الكون ، وسيطرته على مقاليد الأمور كلها.
فكيف ييأس عبد أصابه الفقر وإلهه الله رب العالمين الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، عطاياه بلا حدود لا تنفد من كثر العطاء ، ولا تقل من كثرة المنح والعطايا “وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ”[المنافقون:7]
وكيف ييأس عبد مريض وإلهه الله رب العالمين قادر أن يشفيه ، وإن عجز الأطباء عن علاجه ، وقد شفى أيوب من قبل وقد عجز عن شفائه أطباء عصره ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ “[الأنبياء:83-84]
وثقة إبراهيم عليه السلام في شفائه حين قال “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”[الشعراء:80]
وكيف ييأس عبد وربه يناديه إن هو أدبر ، ويفرح بتوبته إن هو أقبل ، إله يجازيه الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، وإن تاب غفرها له ، إله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
إنه الإيمان الذي يدب الحياة في النفس الميتة باليأس والقنوط فإذا هي شعلة من النشاط والهمة العالية ، فالله هو الذي يبني في تلك النفس التفاؤل ويُحيي فيها الأمل ، ويجدد فيها النشاط ، حينما يخاطب جانب الفطرة فيها ويجعلها دائماً تظن الخير ، وتتوقع الخير ، وترجو الخير ، وتسعى إلى الخير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”1
وكأنه نداء من العزيز الرحيم قدم الظن الخير تلاقيه ، وتفاءل بالحسن تجده ، وأقبل فسوف تجد الله يقبل عليك.
1 – صحيح البخاري ح رقم (6858) ، وأورده الألباني في صحيح الجامع عن أبي هريرة بنفس المعنى ح رقم (8137)