اقرأ القرآن ما نهاك: عن المعصية وأمرك بالطاعة : أي ما دمت مؤتمرا بأمره منتهيا بنهيه ورجزه
فإذا لم ينهك فلست في الحقيقة بقارئ ولست تقرأه ، أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده وعوائده فيعود حجة عليك أو خصما غدا فقراءته بدون ذلك لقلقة لسان بل جارة إلى النيران ، إذ من لم ينته بنهيه وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة ، فلا بد لقارئه من الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه ، وكما أن أمور الدنيا لا تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه.(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)، ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) [مريم : 12]فشرط على قارئه اهتمام القلب بتفهمه وإقبال الحس على استماعه وتدبره.
قال بعضهم : القارئ يلعن نفسه ولا يدري ، يقرأ (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18] وهو ظالم ، ( فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [آل عمران : 61] وهو منهم .
فيض القدير 2 / 79