الإيمان والحياة

غضبة الكون

يعبر القرآن الكريم بأسلوب معجز عن غضب الكائنات وتغيظ عناصر الكون جميعها وتهيج الموجودات كافة من شر أهل الضلالة ، عندما يصف إشتراك السماء والأرض بالهجوم على قوم نوح عليه السلام في الطوفان ، وعصف الرياح بقوم عاد والصيحة على ثمود ، وهيجان الماء على قوم فرعون ، ونقمة الأرض على قارون.. عند رفضهم الإيمان حتى أن جهنم تتميز من الغيظ على أهلها .. وهكذا يبين القرآن الكريم غضب الموجودات وحدتها على أهل الضلالة والكفر ويزجرهم بهذا الأسلوب الاعجازي الفريد ..

وهنا يرد سؤال : لم تجلب هذه الأعمال التافهة الصادرة من أشخاص لا وزن لهم بإقترافهم ذنوبًا شخصية ، سخط الكون وغضبه ؟

الجواب : أن الكفر و الضلالة تجاوز وتعد عظيمان ، وهما جناية وجريمة تتعلق بجميع الموجودات ، ذلك لأن أهل الكفر والضلالة يرفضون الغاية السامية لخلق الكائنات التي نتيجتها العظمى عبودية الإنسان وتوجهه بالإيمان والطاعة و الإنقياد للربوبية الإلهية . فإنكارهم هذه النتيجة العظمى للكون ـ التي هي العلة الغائبة وسبب بقاء الموجودات ـ نوع من تجاوز وتعد على حقوق جميع المخلوقات .

وحيث أن الموجودات قاطبة تتجلى فيها الأسماء الإلهية الحسنى وكأن كل جزء منها مرآة تعكس تجليات أنوار تلك الأسماء المقدسة ، فيكتسب ذلك الجزء أهمية بها ويرتفع منزلة ، فإن إنكار الكافر لتلك الأسماء الحسنى ولتلك المنزلة الرفيعة للموجودات وأهميتها هو إهانة عظيمة وتحقير شديد فوق كونه تشويها ومسخا وتحريفا ازاء تلك الأسماء ..

وكذلك فإن كل مخلوق في هذا الكون قد أوكل إليه وظيفة ، وكل جزء أنيط به أمر، أي أن لكل شئ في الوجود مهام معينة ، فهو إذًا بمثابة مأمور وموظف رباني، فالكافر بكفره يسلبه تلك الوظيفة المهمة ويجعله جامدًا لا معنى له ، وفانيًا لا غاية له ، فيهينه بذلك ويحقره . وهكذا يظهر تعدي الكفر ـ ويتبين تجاوزه ـ على حقوق الموجودات جميعها ..

ولما كانت الضلالة بأنواعها المختلفة ـ كل حسب درجاتها ـ تنكر الحكمة الربانية في خلق الكائنات ، وترفض المقاصد الإلهية في بقاء العالم ؛ فإن المخلوقات بدورها تتهيج ، والمخلوقات تثور ، والكائنات تغضب على الكفر وأهله .

فيا أيها الإنسان العاجز المسكين .. ويا من جسمه صغير وذنبه جسيم وظلمه عظيم .. إن كنت راغبًا في النجاة من غضبة العالم ونفور المخلوقات وثورة الموجودات فدونك سبيل النجاة : الدخول في دائرة القرآن الحكيم المقدسة .. اتباع المبلغ الأمين ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته المطهرة …ادخل … واتبع