كلما هممت بقراءة القرآن، وفتحت المصحف أجد النعاس يغلبني، فإذا ما قاومته وقرأت أجد نفسي وقد شردت بفكري في أودية الدنيا، وتذكرت أمورًا لم تخطر على بالي منذ فترة طويلة…فماذا أفعل لأجمع عقلي ومشاعري مع القراءة؟!!
الجواب:
السبب الرئيسي وراء هذا كله هو الشيطان، فهو لن يتركنا نتعامل تعاملاً صحيحًا مع القرآن و ننتفع به، فهو يوقن بأن الهدى والإيمان والتغيير يتحقق من خلال فهم القرآن و التأثر به، فالشيطان هو العدو المبين للبشر، و هدفه الدائم هو إضلال الناس جميعًا..
ولعلمه بقدر القرآن، و مدى قوة تأثير معجزته لمن يتعرض لها باستمرار، فإنه يعمل جاهدًا على صرف الناس عن قراءة القرآن حتي يسهل عليه إضلالهم، و قد قالها قديمًا بكل وضوح (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)[الأعراف:16], والقرآن خير ما يدل على الصراط المستقيم و يأخذ بيد من يتمسك به إلى هذا الصراط حتى يصل به إلى منتهاه (و َأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) [النجم: 42].
فإن جاهد البعض الشيطان و بدأ في القراءة، فإنه لا يتركه ليفلت منه و يمسك بحبل القرآن، بل يعمل جاهدًا على أن يصرف ذهنه عن فهم ما تضمنته الآيات من معان هادية، و مدخله لذلك هو تزيينه فوائد القراءة السريعة وما سيجني من ورائها من حسنات كثيرة.
فإن جاهده القارئ، واجتهد أن يُعمل عقله فيما يقرأ، حاول أن يجعل عقله يشرد مع كلمة من كلمات القرآن الذي يقرؤه، فيذكِّره من خلالها بموقف من مواقفه السابقة، فينشغل لسانه بالقراءة، أما عقله ففي واد آخر.
فإن جاهده القارئ، ولم يسمح بشرود ذهنه مع القراءة، فإنه يدخل عليه من باب التعمق في فهم كل كلمة يقرؤها، ليصبح القرآن بذلك مخاطبًا لعقله فقط، دون أن يؤثر في قلبه، ومن ثمَّ تصبح ثمرة قراءته زيادة معارفه العقلية دون زيادة للإيمان في قلبه.
وهكذا يجتهد الشيطان في صد الناس عن الانتفاع بالقرآن..
والعجيب أن العبادة الوحيدة التي أمرنا الله عز وجل أن نستعيذ به من الشيطان قبل القيام بها هي تلاوة القرآن (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98].
فقبل أن يشرع الواحد منا في الذكر أو الصيام أو أداء العمرة، أو إخراج الصدقة، فإنه غير مطالب بأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
… إنه أمر يلفت الانتباه.. لماذا القرآن دون غيره من العبادات؟!
أليس في هذا الأمر دلالة على قيمة القرآن و دوره الخطير في الهداية و التغيير، و من ثمَّ فالشيطان يجتهد في إبعاد الناس عنه؟!
يقول ابن هبيرة: و من مكايد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر [1].
من هنا تتضح لنا أهمية الاستعاذة بالله من الشيطان قبل التلاوة، فجوهر الاستعاذة هو طلب حماية الله لنا من الشيطان، و استدعاء معونته سبحانه في صرف هذا العدو.
لذلك علينا – كي نتغلب على هذه العقبة – أن نهرع إلى الله، و نلح عليه في الدعاء بأن يصرف عنا الشيطان و ذلك قبل الشروع في قراءة القرآن، و كذلك كلما شردت أذهاننا خلال القراءة.
أيضًا فإن الالتزام بالوسائل النبوية في قراءة القرآن لها دور كبير في جمع العقل و المشاعر مع القراءة؛ و من ذلك الانشغال بالقرآن، و التهيئة الذهنية من خلال الوضوء و السواك و القراءة في مكان هادئ قدر المستطاع، و التهيئة القلبية بالتباكي مع القراءة، و أيضًا القراءة من المصحف، و بترتيل، و بصوت مسموع، و أيضًا الفهم الإجمالي للآيات، و التجاوب مع الخطاب القرآني بالرد على الأسئلة, و سؤال الله الجنة و الاستعاذه من النار، و أخيرًا ترديد الآية التي تؤثر في القلب..
و قبل هذا كله علينا ألا نستجيب لوساوس الشيطان بترك القراءة، بل نقاوم ونقاوم ونستعين بالله عليه.
[1] تدبر القرآن للسنيدي, ص (48).