كل واحد منا علاقات مع الآخرين.. هذه العلاقات تتفاوت ما بين القوة والضعف، فهناك من يحتل المرتبة الأولى،
وهناك من يحتل المرتبة العاشرة، وهناك من يحتل المرتبة الخمسين.
ومما يلزم التنويه إليه أن هذه المراتب لا يتم ترتيبها بقرارات من الشخص، بل هي نتيجة ممارسات، ورصيد، وثقة، ومشاعر.
ولكل مرتبة مظاهر تميزها عن غيرها، فصاحب المرتبة الأولى له مكانه خاصة عند المرء تجعله يُسِرُّ له بأسراره، ويستشيره في خصوصياته. يفرح بقربة، ويشتاق إلى رؤيته، ويتحين أي فرصة للقائه، ويسعد بصحبته.
أما صاحب المرتبة الخامسة فالأمر يختلف.. نعم، هو يفرح برؤيته ويسعد بصحبته، ولكن ليس كالأول.
فإذا ما نظرنا لصاحب المرتبة العاشرة فالعلاقة أقل بكثير ممن سبقه.
فإذا ما سأل الواحد منا نفسه عن علاقته بربه، وأي مرتبه تحتل؟
فإننا سنفاجأ بأنها ليست في المراتب الأولى، وذلك من خلال رصد مظاهر هذه العلاقة.. فلا شوق إلى لقائه، ولا أنس بمناجاته، ولا سعادة بذكره.
وهذا نذير خطر أحذر نفس وإياك منه – أخي الداعية- وكيف لا ومن أهم الصفات التي ينبغي أن يحرص عليها الدعاة: قوة صلتهم بربهم، ومتانة علاقتهم به.. ألم يقل سبحانه عن الجيل الذي يريده لينصره ويؤيده ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]؟!
لابد من أن يصبح الله عز وجل الأحب إلينا والأقرب إلينا من كل من كل ما سواه، وأن تكون علاقتنا به أقوى وأشد وأمتن من علاقتنا بزوجاتنا وأولادنا وإخواننا.
ومن صور المعاملة الصحيحة وقوة العلاقة بالله عز وجل: دوام الاستعانة به، والتوكل عليه ﴿وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].
ومن صورها: حب الخلوة به، والتلذذ بمناجاته، ودوام الإنابة إليه.. عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام : «يا رب من أهلُك الذين هم أهلُك، الذين تظلهم في ظل عرشك»؟
قال: «هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذُكرت ذُكروا بي، وإذا ذُكروا ذكُرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء عند المكاره، والذين ينيبون إلى ذكري كما تُنيب النسور إلى وكورها، ويَكْلَفون بحبي كما يَكْلَف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استُحلت كما يغضب النمر إذا حَرِب».
ومن صور متانة علاقة العبد بربه: إخبات قلبه إليه، وانكساره له.
ومن مظاهرها: إخلاصه التام له؛ فهو يعمل العمل ابتغاء وجهه ونيل رضاه فلا يهمه رضا الناس عنه أو سخطهم عليه.
ومن مظاهرها كذلك: اتخاذ الله أنيسًا فيأنس دوما بقربه منه، ويستوحش من وجود الناس معه، بل إنه ينتظر اللحظة التي يخلو فيها بربه ليناجيه ويبث إليه أشواقه، ويشكو إليه ما وجده من صعوبات وإعراض، ويسأله حاجاته، ويشعر بالاطمئنان في جواره.
هذه المظاهر وغيرها تدل على متانة وقوة علاقة العبد بربه، فإن لم نحقق ذلك في أنفسنا، وضعفت صلتنا بربنا كانت الآثار الوخيمة في انتظارنا.
يضعف الإخلاص والتوكل على الله والثقة فيه.
يزداد التعلق بالناس والطمع فيما في أيديهم.
تزداد الشكوى من الفتور وضيق الصدر والشعور بالوحشة.
تقل البركة في الأعمال ويصبح أثر الجهد الكبير الذي يُبذل محدودًا.
فاحذر أخي الداعية من ذلك، فليس لنا إلا الله وليًا ونصيرًا وكافيًا ومعينًا ﴿وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 45].
ولنعلم جميعًا أنه كلما ابتعدنا عن الله ابتعدنا عن تحقيق حلمنا ومشروعنا العظيم.