إذا أردت أن تعرف مدى حب الله لك فانظر إلى نِعَمِ العافية،…………….
لقد استمر فضله عليه في نعمة العافية طيلة سنوات عمرك الماضية من الإصابة بأمراض كثيرة، وإذا ما أردت أن تعرف حجم هذا الحفظ، وهذه العافية، فتأمل كل صاحب مرض قد عافاك الله منه.
مئات بل آلاف الأمراض التي تصيب أجهزة الجسم وأعضاءه المختلفة قد عافاك الله منها.
لو علمت عدد الفيروسات والكائنات الدقيقة ومسببات الأمراض التي تحيط بنا، وتسبب أمراضًا خطيرة، والتي لا يمنعها من مهاجمتنا إلا الله عز وجل، لهرعت إلى السجود الطويل شاكرًا لله عز وجل على حفظه لك طيلة هذه السنين، ولسألته دوام وتمام العافية.
العافية من الضلال:
أخي القارئ, يا من أكرمك الله عز وجل بالإيمان.
أتدري ما الذي حدث معك لتكون من أهل المساجد، بل من أهل الصلاة أصلا، ومن أهل الصيام والذكر والصدقة وفعل الخير؟!
لقد حبب الله إلى قلبك الإيمان، وشرح له صدرك، وكره إليك طريق الضلال والغي، ولو أردت أن تدرك حجم هذه النعمة العظيمة فتأمل أقرانك وجيرانك، وزملاء دراستك.
كم واحد منهم مثلك في تدينك والتزامك؟!
أتظن أن لك يدًا في ذلك؟! لا والله، بل هو محض الفضل الإلهي الذي منَّ الله به عليك {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: 21].
إن كل صلاة صليتها كان الله سبحانه سببًا في أدائك إياها.
فقد كان من الممكن ألا تجد في نفسك همة ولا عزيمة للقيام بها، بل فتور وتكاسل.
كان من الممكن أن يصيبك شيء يقعدك، ويعيقك عن أدائها.
كان من الممكن أن يأتيك من يشغلك عنها, يأتيك اتصال هاتفي طويل، أو تحدث مشكلة تتدخل لحلها أو …
كان من الممكن أن تذهب إلى أدائها فلا يطاوعك لسانك على الذكر، ولا أعضاؤك على الحركة.
هذه هي الحقيقة، فالذي مكَّنك من هذا كله وأزال عنك العوائق وشرح صدرك لأدائها هو ربك الودود، فليس بينك وبين ترك الصلاة إلا أن يتركك الله عز وجل لنفسك وحبها الدائم للراحة وكرهها المعهود للتكليف.
وكن على يقين بأن الفضل الإلهي يحدث مع كل صلاة تصليها، وكل صوم تصومه، وكل صدقة تتصدق بها، وكل تسبيحة تسبحها ]وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي[ [سبأ: 50].
العصمة من الفجور والكفر
أما عن مظاهر حب ربك لك في جانب العصمة من الفجور والكفر فمن الصعب إدراك أبعادها، ويكفيك في ذلك أن كل معصية تحدث على وجه الأرض من كفر واستهزاء بالدين، وإلحاد، وسرقة، وزنا، و تعامل بالربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وغش، وخداع، ورشوة، وعقوق للوالدين، و….
كل هذه المعاصي وغيرها لا يمنعك من القيام بها سوى ربك الذي كرَّهك فيها، وصرف ذهنك عنها، وأبعدك عن طريقها، وأبعدها عن طريقك.
فإن قلت: وهل من الممكن أن أفعل ذلك وأنا لم أقترف شيئًا منها طيلة حياتي، ولم أفكر فيها؟
نعم أخي، من الممكن أن يفعلها أي واحد منَّا لو تركه الله عز وجل ولم يعصمه منها، فلا يوجد في البشر من يستعصي على فعل المعصية – صغيرة أو كبيرة – وذلك لطبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء ووجود الشيطان الذي يوسوس ويزين للنفس فعل المعاصي.
فإن كنت في شك من هذا فتأمل معي دعاء إبراهيم عليه السلام لربه ]وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ[ [إبراهيم: 35]. وكذلك يوسف الصديق عليه السلام عندما استجار بربه ليصرف عنه فعل السوء ]وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ[ [يوسف: 33].
فماذا تقول لربك بعد ذلك؟!
ماذا تقول لمن عصمك من الكفر والفسوق والعصيان؟!
ماذا تقول لمن اجتباك وهداك إلى صراطه المستقيم؟!
ألا ينبغي لنا أن نردد – بيقين – ما كان يقوله رسولنا صلى الله عليه وسلم لربه في صباح كل يوم: وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف، وعورة، وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك([1]). ونقول: ]الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ[؟ [الأعراف: 43].
([1]) حسن، رواه أحمد والطبراني والحاكم، وقال صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (657).