مواقف تربوية

الرسول المعلم

الكاتب: د. هاني السقا

روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ، عن مالك بن الحُوَيرث رضي الله عنه ، قال :

((أَتَينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ مُتَقاربون(1) ، فأقمنا عنده عِشرين ليلة ، وكان رسول الله رَحيماً رَفيقاً ، فلما ظَنَّ أنّا قد اشتَقْنا أَهلنا ، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم ، وعلِّموهم ومُروهم ، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي ، فإذا حضرتْ الصلاة ، فليُؤَذِّن لكم أحدُكم ، ولْيَؤمَّكم أكبركم))

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في كتابه (الرسول المعلم) :

في هذا الحديث الشريف من الأمور التعليمية :

ارتحالُ الشباب جماعةً إلى العالِم ، ليتلقّوا منه العِلم ، وليأخذوا عنه الفقه في الدين ، ولِيَصْطحِبوه فترةً من الزمن ، فيَشهدوا منه سُلوكه ، وهَدْيَهُ وعَمَله ، فتَستَنير بذلك أفهامهم بقُربهم منه ومُلازمتهم له ، ويأخذوا العلم مصحوباً بالعمل به ، فيكون أوضح في نفوسهم ، وأطيب في سلوكهم ، كما كان شأن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم معه .

وفي هذا الحديث أيضاً النظرُ إلى ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم التي هي مَجْمَعُ القُدوة ونموذج الإنسان الكامل . وفيه أيضاً : تعلُّم أحكام الشريعة منه صلى الله عليه وسلم ، وفيه أيضاً : أن الأفضل بالمتعلِّم أن يقصد من علماء عصره : الأوفى علماً ، والأعلى فهماً .. فقد كان آباءُ هؤلاء الشباب صَحابةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، التَقَوْا به وأخذوا عنه ، وعَلِموا منه ، فما اكتفى هؤلاء الشباب بالأخذ منهم ، بل قَصَدوا سيدَ العلماء ، وتاجَ الأنبياء ، وأعلم البشر صلى الله عليه وسلم .

وخصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا : الأكبر بالإمامة للصلاة فيهم ، نظراً إلى تساويهم في العلم والتعلم منه عليه الصلاة والسلام ، فإذْ تساوَوْا في ذلك كان وصف الكِبَر فيهم صفة مميزة للكبير على من دونه في السن ، فيُقدَّمُ الكبير .

أما إذا كان بعضهم أعلَم من بعض فيقدَّم الأعلم على من سواه ، لأن صفة العلم أعلم وأشرف من صفة كِبَر السن .


(1) ـ الشببة جمعُ شابّ . ومتقاربون أي في السِّنّ والعُمر .