الكاتب: صالح التميمي
من أعظم الأمراض التي يبتلي بها المرء حب الرئاسة والصدارة، فهو داء عضال ومن أخطر الأمراض التي يصاب بها الشباب خصوصًا، وهي مرحلة من مراحل إغواء الشيطان للبشر، فتؤدي به إلي نهاية خطيرة، وانظر إلي التاريخ كم سجل لنا أسماء رجال بذلوا المال والجاه ليصلوا إلي مناصب عظمي وسحلوا من جراء ذلك الرجال والنساء، فصعدوا القمم علي الجماجم والجثث،
لذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة الرئاسة وقال لأحد أصحابه : ” إنها لأمانة، وإنها يوم القيامة لخزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها ” [i] ولكن كثيرا من المنتسبين للإسلام عزفوا عن هذه النصوص ولم يعبأوا بها لا لشيء إلا لأنها خالفت شهواتهم .
وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أنبه إلي قضية هامة وهي أن حب الرئاسة يمنع صاحبه من الإيمان ابتداء ويخرجه منه انتهاء، فها هو عبد الله بن أُبيّ سلول، رجل مقدم في قومه زرع له مكانة وبرز بينهم بجاهه، ولم تجتمع الأوس والخزرج علي تولية زعيم كاجتماعهم عليه فصنعوا له تاج الملك، وهيأوا له مكان العرش وقدموا له السمع والطاعة ولما ازدانت المدينة بنور الإسلام وضياء القرآن ومقدم خير الأنام صلي الله عليه وسلم، التف الناس حوله وآمنوا به، وكانت هذه كالصاعقة علي عبد الله بن أُبي فأبطن النفاق وأضمر العداء لأهل الإسلام وأسس مذهبه الخبيث، وأثبت معدنه الخسيس، إنك عندما تتأمل في سيرته تعرف أن الذي حال بين هذا العاقل اللبيب وبين الإسلام هو حب الرئاسة والتصدر فجعلته من أكبر أعداء الإسلام[ii] وأنقلكم إلي صورة أخرى لا تقل عنها غرابة ووافقتها في النهاية، وهي قصة هرقل إمبراطور الروم وعظيمها، الذي عرف الإسلام وتبين له صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من خبره أن جمع قومه وعرض عليهم الإسلام، ولكنه لما رأي إعراضهم وأن مخالفته إياهم ستبعده عن عرشه وملكه تراجع عن موقفه، واحتال حيلة لئلا يفتضح أمره لكي يحافظ علي رئاسته وصدارته في قومه !!.[iii]
فانظر – يا رعاك الله – إلي هؤلاء البائسين كيف حُرموا من هذا الدين من أجل رئاسة فانية، مع ذلك كله فإننا لا نستغرب من هؤلاء هذا الإعراض لأنهم وبكل بساطة لم يُشربوا الإيمان في قلوبهم، فلذا لا يتعجب من تصرفاتهم،ولكن العجب يكون عندما يظهر هذا التصرف من شباب الإسلام الذين تربوا عليه، وعلموا ثقل المسؤولية وخطورة الدعوة وحملوا همها، ومع ذلك اصطادهم الشيطان بحباله الشائكة، وأُشربوا في قلوبهم حب الرئاسة، حتى أصبحت مخالطة لدمائهم، لذا انحصرت دعوتهم في تحصيل هذه المحمدة التي لا يرجى نفعها.
إن على الشباب أن يحمل شعار(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف 108) ويترك شعار أدعو إلى نفسي على بصيرة، بل علي غير بصيرة.
وليقرأ في سير السلف الصالح كيف كانوا يفرون من الإمارة والولاية، بل إن من أسوأ الأخبار عندهم أن يُخبر أحدهم بتوليه أمرٍ ما.
وقد يتساءل شاب: هل هذا الداء خاص بالشباب؟ فأقول له: إن هذا الداء يصيب الكبار أيضًا، وهو بهم أشد وأنكي وأمضي طعنًا. وما أحداث الأفغان ونزاع شيوخها عنا ببعيد.
وعندما ندقق في الأمر ونطرح سؤلًا نقول
ما هو الدافع لهذا الحب؟
هذا ما سنعرفه في المقال القادم بمشيئة الله تعالي.
منقول من كتاب من أخبار المنتكسين لصالح التميمي
[i] رواه مسلم في كتاب الإماره رقم 4696
[iii] أصل الحديث عند البخاري عن ابن عباس كتاب بدء الحي رقم 7