الإيمان والحياة

الإيمان وحل المشكلات

عندما يضعف الإيمان : يعلو الهوى ويسيطر على الإرادة .

والهوى هو كل ما تميل إليه النفس ، أي أن غلبة الهوى معناها سيطرة النفس بأطماعها على إرادة الإنسان وقلبه ، فيصبح أسيًرا لها .

فالنفس شحيحة تحب الاستئثار بكل ما تظن أن فيه نفعها فينشأ عن هذا الهوى – عندما يتمكن من القلب – الطمع والظلم والبخل والتعدي على حقوق الآخرين .

والنفس تريد دومًا العلو على الآخرين وتكره أن يتميز عليها أحد فينتج عن ذلك الحسد والحقد.

والنفس تكره الظهور بمظهر المخطئ فينشأ عن هذا الهوى عندما يسيطر على القلب : الكذب والغش والخداع ..

والنفس تكره المشاقّ والتكاليف فينشأ عن ذلك : الفسوق وعدم القيام بالأوامر الشرعية …

وهكذا تنطلق جميع الظواهر السلبية والمشكلات من ضعف الإيمان وغلبة هوى النفس.

والحل الأول والأمثل لعلاج المجتمع المسلم من ظواهره السلبية إنما يكون بإصلاح الإيمان ، فكلما ازداد الإيمان في القلوب انحسر تأثير الهوى عليها وقويت الإرادة ودفعت صاحبها لمكارم الأخلاق ومعاليها .. تأمل قول الله تعالى : ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [ص/24].

ليس معنى هذا هو انعدام المشكلات بين الأفراد ، فالطبيعة البشرية وما تحمله من ضعف تأبى ذلك ، ولكنها – إن حدثت – تكون هينة ، عارضة سرعان ما تزول عندما يسمع أصحابها حادي الإيمان ينادي عليهم أن اتقوا الله ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص/30].

فعلى سبيل المثال : عندما عزم أبو بكر الصديق على قطع النفقة التي كان ينفقها على مسطح بن أثاثة لأنه كان ممن تكلم في حادثة الإفك نزل القرآن ليُذكّره وغيره بفضيلة العفو بقوله تعالى : ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور/22] فعند ذلك قال الصديق : بلى والله إنّا نحب أن تغفر لنا يا ربنا ، ثم أرجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدًا ([1]) .

.. وعندما اختلف رجلان على ميراث بينهما وذهبا يحتكمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماذا فعل معهما ؟! .

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد دُرِست ليس بينهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم ألحَن بحُجَّته من بعض فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة » فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : حقي لأخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخَّيَا الحق ثم استهما ثم ليتحلل كل واحد منكم صاحبه» ([2]) .

عمر يستقيل من القضاء :

عندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة قام بتعيين عمر بن الخطاب قاضيًا على المدينة ، فمكث عمر سنة لم يفتح جلسة ، ولم يختصم إليه اثنان ، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء ، فقال له أبو بكر : أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر ؟!

فقال : لا يا خليفة رسول الله ، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين ، عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه ، وما عليه من واجب فلم يُقصِّر في أدائه .. أحب كل منهم لأخيه ما يحبه لنفسه .. إذا غاب أحدهم تفقدوه ، وإذا مرض عادوه ، وإذا افتقر أعانوه ، وإذا احتاج ساعدوه ، وإذا أصيب واسوه ..دينهم النصيحة ، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون ؟ ففيم يختصمون ؟!

( [1] ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/259 ، 260 .

( [2] ) أخرجه الإمام أحمد ( 6/320) ، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، وابن أبي شيبة ( 7/353 ) . والإسطام : هي الحديدة التي تُحرَّك بها النار .