تزكية النفس

تزكية النفس للأبناء

من صور التربية: تربية الأبوين لأبنائهما على المعاني السابقة، فهما أهم مصدر للعلم والتلقي بالنسبة إليهم.

فعلى قدر اهتمامات الأبوين تكون اهتمامات الأبناء.

وعلى قدر ما يظهر على الأبوين من سلوكيات يكون كذلك الأبناء.

وإن كنا لم نجد من يغرس فينا معاني العبودية لله، وربط أحداث الحياة به سبحانه ونحن صغار، فلنحرص على عدم تكرار ذلك مع أبنائنا، ولنعمل على تربيتهم على المعاني السابقة بأسلوب يتناسب مع سنهم.

ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الأبوان في تربيتهما لأبنائهما.

القرآن أولًا:

بمعنى أن تكون معاني القرآن وحدها هي التي تشكل البيئة التي يتربى فيها الابن وينمو… لماذا؟!

حتى تتشكل تصوراته، ويقينه بطريقة صحيحة، فينسجم سلوكه بعد ذلك مع هذه التصورات فيما يحبه الله ويرضاه.

ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم شديدي الحرص على هذه الوصية لمن بعدهم.

تأمل معي هذه الوصية لعبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – والتي يقول فيه: جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع تقرأ فيه سورة البقرة.

قال شعبة أحد رواة هذا الأثر: فحدثت به أبا التياح وكان عربيًا فقال: نعم أمروا أن يجردوا القرآن. قلت له: ما جردوا القرآن؟ قال: لا يخلطوا به غيره[1].

وليس المقصد من ربط الأولاد بالقرآن وتفرغهم له في بداية نشأتهم أن يكون الاهتمام بلفظه فقط، بل بلفظه ومعانيه، كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ ص: 29 ].

فالاهتمام باللفظ فقط لن يكسب الفرد أية معان، بل بالعكس سيرسم القرآن في ذهنه على أنه ألفاظ لا معنى لها، ويعوده القراءة بدون تفكير ولا تدبر.

إن بناء اليقين الصحيح عند أبنائنا لمن أهم صور التربية الصالحة لهم، وسيعود نفعه – بمشيئة الله – عليهم وعلى أسرهم وأمتهم، والقرآن كفيل بذلك إذا ما أعطينا معانيه جُل اهتمامنا، وربطنا بينها وبين الواقع، وجعلنا تشجيعنا لأولادنا مرتبطًا بمدى تعلمهم المعاني الإيمانية من القرآن وتطبيقها على أنفسهم.. والخطوة الأولى في ذلك أن نستحثهم على فهم ما يقرؤونه من القرآن كما يجتهدون في فهم أي شيء آخر يقرؤونه.

ربط أحداث الحياة بالله:

ومع أهمية التركيز على القرآن لبناء اليقين الصحيح عند أبنائنا وتعريفهم بربهم وبأنفسهم، علينا أن نربط أحداث الحياة التي تمر بنا بالله عز وجل.

فنربط النعم بالمنعم – سبحانه – ونعودهم على حمد الله بعد كل نعمة، وسجود الشكر الفوري بعدها.

وأن نمحو من قاموسهم كلمات: أنا، لي، عندي ( مجردة ) بل نقرنها بالله عز وجل وفضله.

مثل: بفضل الله لي كذا.. بكرم الله عندي كذا.. بتوفيق الله استطعت أن أفعل كذا…

ونعلمهم كذلك كيف يستخرجون نعم الله عليهم من خلال قراءتهم للقرآن كيف يتعرفون عليها من مجريات الحياة وأحداثها اليومية.

ضعف الإنسان وعجزه ومدى احتياجه إلى الله عز وجل:

فنثبت لهم هذه الحقيقة من خلال مواقف الحياة التي يتعرضون لها، وأننا جيمعًا بالله لا بأنفسنا، ولا نستطيع أن نستغني عنه سبحانه ولو لطرفة عين.

الدنيا دار امتحان والملك لله:

فنعلمهم بأن الغنى ليس كرامة، والفقر ليس إهانة، بل كلاهما مواد امتحان، نمتحن فيهما وعلينا بالشكر مع العطاء، والصبر مع المنع، ليترسخ لديهم بأن الغني ليس أفضل من الفقير بغناه، ولا الفقير أقل شأنًا من الغني بفقره، فالكل في امتحان، وعلينا كذلك تكرار حقيقة أن الملك كله لله، فلا يوجد لأحد على ظهر الأرض ملك ذاتي ولو مثقال ذرة.

التواضع:

فنمارس معهم صور التواضع، ونحببهم في الجلوس مع المساكين والأكل معهم… ونعودهم على قبول الحق من أي إنسان، وخفض الجناح للمؤمنين، والقيام على خدمة الناس…

ربط المدح بتوفيق الله:

للتشجيع دور كبير في بناء الشخصية القوية كما سيأتي بيانه، ومع ذلك فعلينا أن نربط عبارات التشجيع بتوفيق الله وفضله، ولا نسرف في مدحهم حتى لا نشعرهم بالاستعلاء على غيرهم، وعند وجود مواهب خاصة لدى بعضهم علينا أن نعوده على المبالغة في الشكر والتواضع لله عز وجل، وعدم الاستطالة بهذه المواهب على أصدقائه…

ومع هذا كله علينا أن نقدم لهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة ونموذج تمثلت فيه هذه المعاني مما يزيدهم حبًا له.

فلو أخذت منا هذه الجوانب الإيمانية التربوية الاهتمام الكافي، فسنكون – بفضل الله – قد قدمنا لأبنائنا أفضل هدية وأجل تربية، ولم لا ونحن بذلك نربيهم على العبودية لله عز وجل، والتعلق به سبحانه، والإخلاص له وحده.

[1] فضائل القرآن للفريابي ص 151، 152.