تزكية النفس

كان نجما فهوى

هل أتاك نبأ شخص ظل متوهجًا وكان ملء السمع والبصر، كل ميادين الجهاد والتضحية والسعي والحركة ميادينه، وكل الناس حوله ينتفعون بكلماته وتوجيهاته.. آرائه في الغالب صائبة.. مقترحاته عميقة مفيدة..يغدو ويروح.. يبذل ويقدم.. لا ينام إلا قليلا ثم هو بعد نومته سريع الحركة نشيط الذهن….

هل أتاك نبأه وهو الآن قد ابتعد عن كل ذلك، وانطفأ نوره، وبهتت كلماته، وانعدم تأثيره، وباتت حركته ثقيلة، وتضحياته نادرة، و……

أشعر ما تشعر به الآن مِن تبدُّل الشعورين تجاه ذلك الشخص، وسيطرة شعور الحزن عليه بعد الفرح له، وصدق الدعاء إلى الله بأن يعافينا مما صار إليه بعد صدق التمني بأن نصل إلى ما وصل إليه..

.. لك مطلق الحق في هذه المشاعر، فما عاد الوجه الوضيء كما كان، ولا المبادئ العليا البراقة، ولا الأهداف عاد ذكرها ولا السعي في سبيلها كما كان..

نُقِلنا بين صورتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، صورة مضيئة، وصورة معتمة. لكن ما بين الصورتين أسباب وأسباب أدت إلى هذا الحال، وكان الناس حياله ثلاثة أقسام: فبعض الأعين الصادقة كانت ترى الداء وهو يستشري فيه ويتمكَّن منه، ويصل إلى كل نور في قلبه فيبدده..فذكَّروه وحذَّروه، وقسم وكَلَ السيئ فيه إلى إحسانه فلم ينصح ولم يحذر، وقسم انبهر بالحَسن فما رأى السيء ولا رأى أن داءا ينتشر، وبالتالي فهو لا يرى مشكلة تستحق الاعتناء أو حتى مجرد الانتباه.. فماذا كانت النتيجة؟؟

لقد استشرى الداء، وتمكَّن المرض حتى أصبح عاجزا عن مقاومته أو دفعه، بل ازداد الأمر سوءا فانقلب على الناصحين،وما استجاب للموجهين، فكان ذلك بمثابة قاصمة الظهر له..

نصحت لهارون فردَّ نصيحتي … وكل امرئ لا يقبل النصح نادم

وكفى بما ذُكر عن حاله وما وصل إليه – مما ذكرناه – دليلا.

إن الخطورة في هذا المرض أنه يكون موجودا وما نراه، وربما يراه غيرنا ظاهرا فينا ولا نراه نحن، وربما أهدى إلينا بعض الصادقين العلاج فألقيناه على الأرض وسكبناه، ذلك لأن طبيعة هذا المرض طبيعة مختلفة عن كثير من الأمراض، فهو يشوِّقنا ويدفعنا دفعا نحو أن نزيد من أعراضه فينا، وهو في ذات الوقت يُكرِّهنا في تناول العلاج المضاد.. إنه داء: الضعف النفسي.