الانتفاع بالقرآن

الترسل في القراءة

إن وراء كلمات الله سبحانه وتعالى حِكم تتنوع، ففيها الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والوصية والتسلية، وتقعيد القواعد والتوضيح، و…. .

والذي يقرأ قراءة متأنية هو أقرب الناس للوصول إلى ما وراء الألفاظ، والنداءات الربانية

لذا كانت وصية القرآن بالتدبر، والقراءة المترسلة الهادئة، وكذا كانت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من وعى أن وراء القرآن رسائل ربانية لنا من الصحابة والتابعين والربانيين من بعدهم..

وأيضًا كما جاء الترغيب في القراءة المتأنية، فقد جاء التحذير والتنفير من عكسها، حيث أن القارئ إذا أسرع لا يفقه كلام الله ورسائله بنص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم…

وعلى كل من أراد الانتفاع بكلام الله ، والقرب من الله، والتأثر وتوليد الإيمان وتفجيره في القلوب من خلال رسائل الله، عليه أن يلزم القراءة المتأنية.

ومن ناحية أخرى فإن مقام الله أجلّ من أن يُقرأ كلامه بغير فهم ولا تدبر ولا وعي…

وفي هذا المعنى جاءت الآيات والأحاديث والآثار عن الله ورسوله والعلماء والمربين الربانيين، ومنها:

قال تعالى : ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء : 106]

قال ابن الجوزي : على تؤدة وترسل ليتدبروا معناه .

وفي قوله تعالى : ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل : 4] ، أي لا تعجل بقراءة القرآن بل اقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني .

ولعل من المناسب أن نوضح الحال الذي كان يلتزمه النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته لتظهر الصورة بشكل أوضح، ولنتأكد أن هذا هو ما كان يلتزمه صلى الله عليه وسلم،  وما كان يفعل غيره.

حال الرسول صلى الله عليه وسلم في الترسل والترتيل :

عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها . رواه مسلم رقم 373 .

وروي عن حذيفة بن اليمان قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع . رواه مسلم 1764.

ومن نماذج من فهموا مغزى القراءة – وهم كُثُر – :

ابن عباس:

وعن ابن أبي ذئب – رحمه الله – عن صالح قال: كنت جارا لابن عباس رضي الله عنهما وكان يتهجد من الليل فيقرأ الآية ثم يسكت قدر ما حدثتك، وذاك طويل، ثم يقرأ. قلت: لأي شيء فعل ذلك؟ قال: من أجل التأويل يُفكر فيه.

يقول اسحاق بن إبراهيم الطبري : عن الفضيل بن عياض – رحمه الله – : كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسلة ، كأنه يُخاطب إنسانا ، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها ويسأل .