من الأمور التي تحجبنا أحيانا عن الانتفاع بما في القرآن من عظات وتوجيهات، ومن أسباب الحيلولة بيننا وبين القرآن إرادة من يحفظ آيات القرآن للمحافظة على حفظه فيُكثر من المراجعة السريعة للقرآن دون الاهتمام بمعاني القرآن ، فلا مجال عند المراجعة السريعة للوقوف على المعاني، ولا مجال عند الوقوف على المعاني من مراجعة أكبر كم ممكن من آيات القرآن بدعوى تثبيت حفظها في الصدر.. وغالبا ما يكون لسان حال صاحب هذا السلوك هو: بفضل الله حفظت القرآن، ولخوفي من نسيانه أصبح كل همي هو كيفية المحافظة على هذا الحفظ، مما يضطرني للقراءة السريعة بغية المراجعة وتثبيت الحفظ، مع العلم بأنني لا أراعي التدبر أو التأثر في هذه القراءة… فماذا أفعل؟!!
ولابد عند الحديث عن هذا التصرف أن نعرف أن حفظ القرآن وسيلة لتيسير الانتفاع به، وليس غاية في حد ذاته، وإلا لاندفع الصحابة للحفظ – كما أسلفنا – ومع ذلك فله أهميته العظيمة في القيام بالقرآن في الصلاة، وفي الإمامة بالناس، ومن الخطورة بمكان أن تصبح الوسيلة غاية، ويكون همّ الحافظ منصبًا على كيفية المحافظة على حفظه، مع الأخذ في الاعتبار بأن الذي يزيد الإيمان، ويرفع الدرجات عند الله، ويغير في سلوك الفرد هو تدبر القرآن والتأثر به سواء كانت القراءة من المصحف أو عن ظهر قلب، فإن لم يصاحب القراءة ذلك.. كانت الخطورة بأن يصبح القرآن حجة علينا لا لنا.
من هنا كان من الضروري اللقاء المباشر مع القرآن، وحبذا لو كانت القراءة من المصحف حيث التركيز أشد، والتأثر أسرع استجلابًا….
وعندما ننشغل بكثرة تلاوة القرآن فإن هذا يؤدي إلى تثبيت الحفظ، وكيف لا والتدبر وهيمنة الآيات على العقل والمشاعر، وكثرة تكرارها من شأنه أن يجعل المرء في حالة من الانتباه والتركيز، ومن ثمَّ يثبت حفظه أكثر وأكثر.
ولا بأس من تخصيص وقت للمراجعة – غير وقت القراءة المباشرة من المصحف- على أن يكون الحد الأدنى للقراءة هو فهم ما نقرأ كما قال ابن عباس لأبي جمرة.. إن كنت فاعلاً (للقراءة السريعة) فاقرأ قراءة تسمعها أذنك ويعيها قلبك.[ فتح الباري]
ولكن أحذِّر نفسي وإياك أن يطغى ذلك على وقت القراءة اليومية من المصحف، والتي تهدف إلى التدبر والتأثر ومن ثمَّ زيادة الإيمان وتوليد القوة الروحية.