الإيمان والحياة

النصيحة ليست نقدًا

أداء النصيحة وكذلك حُسن استقبالها من أخلاق الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة ،لأنهم وحدهم القادرون على أدائها وكذلك حسن استقبالها دون تغير أو امتعاض، ولعله من المُفيد هنا أن نذكر أن حسن استقبالها تحديداً هو من أشد الدلائل على شيم الكبار، ذلك أن أدائها قد يكون ميسوراً ، وأن الحرج كله يقع على المنصوح.

معنى النصيحة :
في اللغة : قال ابن منظور – رحمه الله – : نَصَحَ الشيء ، خَلَصَ ، والناصح : الخالص من العمل وغيره ، والنصح : نقيض الغش.
ويُقال : نصحت له نصيحتي نُصوحاً ، أي : أخلصت وصدقت والإسم النصيحة.1
في الاصطلاح : قال ابن الأثير – رحمه الله – “النصيحة كلمة يُعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له”2

لماذا التناصح من أخلاق الكبار؟
لأن أداء النصيحة قد يُكلف من يقوم بها نفسه ” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”3
ولأن النصيحة قد تُغضب الآخرين الذين لا يُحبون توجيه اللوم لهم ، مما يُمثل على القائم بالنصيحة عبئاً ثقيلاً لا يتحمله إلا الكبار من أصحاب النفوس الكبيرة ، محتسبين كل ما يُلاقون من عنت أو أذى عند الله تعالى.
ولأن أداء النصيحة قد يكون لأحد المقربين ممن يؤديها ، وهي كذلك تُمثل عبئاً على من يقوم بها لما قد ينتج عنها من قطيعة أو خصام أو توتر العلاقات وعدم استقرارها ، وهذا أيضاً لا يطيقه إلا الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة الذين يمتلكون من الشجاعة ما يجعلهم يؤدونها.
ولأن النصيحة تتطلب ممن يقوم بها أن يكون متحلياً بالصبر على من ينصحه ، ذلك أن المنصوح قد لا يستجيب ، أو يُقابل نصيحته بالتهكم أو الاستهزاء أو التطاول في بعض الأحيان باللسان أو اليد ، وهذا أيضاً لا يتحمله إلا الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة الذين يُراعون حال المنصوح ونفسيته ، ولا ينتقمون لأنفسهم أبداً مهما كانت النصيحة موجعة لنفوسهم..
ولأن النصيحة تتطلب ممن يقوم بها أن يكون مُطبقاً على نفسه ما ينصح به ، وهو أيضاً لا يقدر عليه إلا الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة ، التي يشتد عليها أن تأمر بشيء أو تنصح به وهي لا تفعله ، وهو بلا شك يتطلب جهاداً عنيفاً للنفس لا يقدر عليه غيرهم.
هذا من ناحية الأداء (أي أداء النصيحة) أما من ناحية الاستقبال (أي استقبال النصيحة)
فلأن استقبال النصيحة يعني سعة الصدر لقبولها ، وعدم التغير أو الغضب من الآخر ، وذلك من أخلاق الكبار أصحاب النفوس الكبيرة التي لا يقوى عليها غيرهم .
ولأن استقبال النصيحة يعني التحلي بقدرة نفسية قوية تُمكنه من الاعتراف بالخطأ حال حدوثه ، لِمَا يحمله الاعتراف بالخطأ من تحمل المسئولية عما أخطأ فيه، وهذا مما لا يقدر عليه إلا الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة أيضاً.
ولأن استقبال النصيحة يعني تعرض هيبة المنصوح للمساس ، خاصة إذا كان الناصح من العامة البسطاء ، أو ممن لا يُجيدون أداء النصيحة أو يتعمدون التشهير ، وهنا يقوم صاحب النفس الكبيرة باستيعابه وعدم الدخول معه في تصادم أو عداوة ، وهذا أيضاً لا يقدر عليه إلا الكبار فقط.

النصيحة ضرورة :
لا يختلف اثنان على أن النصيحة من خصائص هذا الدين ، وهي من دعائم استقامة الأمة واستقرارها ، وعلامة من علامات النضوج الفكري لمن يمارسها وكذلك من يستقبلها.
وبالنصيحة تحافظ الأمة على تصدرها لجميع الأمم والتفضيل عليهم جميعاً ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ…” [آل عمران:110]
فما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا صورة من صور النصيحة ، التي يستقيم بها حال المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر (المنصوح) ، فيتبدل سلوكه من الخطأ إلى الصواب؟

وفي المقابل فإن انعدام النصيحة واختفائها في الأمة علامة من علامات الهبوط الإيماني لأبنائها ، وإيذاناً بأُفول نجمها ونزول اللعنة والغضب الإلهي عليها ، ومؤشر بتدهور استقرارها وفقدان أمنها وتقدمها “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ “[المائدة:78-79]
إذن ففرار الأمة من ترك النصيحة يوازي تماماً خوفها من نزول اللعنة أو غضب الله عليها ، وكذلك فإن التمسك بأدائها والحرص على ممارستها ، يُدلل على حياتها ورغبتها في التقدم والتصدر والاستمرار في الخيرية.

شرف النصيحة :
ومما يرفع من مقام وعلو وقدر النصيحة ، وأنها بحق من أشرف المقامات وأرفعها مكانة ، ويجعل من يقوم بها من الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة أنها الوظيفة الرئيسية التي جاء بها الأنبياء والمرسلون لأقوامهم ، ملتمسين هدايتهم، وتصحيح مسارهم ، وإصلاح دنياهم وآخرتهم.
فلقد نصح نوح عليه السلام قومه قائلاً كما حكى القرآن : ” قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”[الأعراف:61-63]
وجاءت النصيحة على لسان هود لقومه قائلاً :” أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ”[الأعراف:68]
وجاءت النصيحة على لسان صالح لقومه قائلاً :” فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ “[الأعراف:79]
إذن هي مهمة من أشرف المهمات التي يقوم بها العبد ، ذلك أن خيرها يتجاوز مؤديها والقائم بها ، فالأصل في تأديتها هي إرادة الخير والحق للمنصوح ، فهي تحمل معاني الحرص والحب والإخلاص والصراحة والوضوح مع من ننصحهم. وكما ذكرنا سابقاً في تعريف النصيحة لابن الأثير : النصيحة كلمة يُعبر بها بجملة ، هي “إرادة الخير للمنصوح” .
والنصح : نقيض الغش ، ويُقال : نصحت له أي : أخلصت وصدقت.

أمر عجيب :
ورغم أن النصيحة المراد بها الخير دائماً للمنصوح ، واستقامة أمره ، وتصحيح مساره ، إلا أن المنصوحين في بعض الأحيان يتمردون على الناصح ، ويرفضون نصيحته ، استكباراً وعلواً بغير الحق.
بيد أن بعض المستقبلين للنصيحة قد تملكهم الشيطان ، وسيطر عليهم الهوى ، فأبوا إلا أن يذعنوا لنفوسهم المريضة بالاستمرار بالخطأ بدلاً من تصحيح مسارهم ، وشكر من أبدى إليهم النصح.
خسران وضياع:
وفي حقيقة الأمر أن الذي رفض النصيحة ، ولم يستقبلها الاستقبال الصحيح ، إنما هو الخاسر الوحيد في هذه القضية ، إذ أن الناصح متى أدَّاها بشروطها وآدابها ، وأخلص في ذلك فقد وقع أجره على الله.
أما الذي رفضها ، ولم يستقبلها ، فأقل ما يمكن قوله أنه سيظل على خطأه دون تصحيح ، وسوف يجني ما اقترفت يداه ، إن كان في الدنيا أو في الآخرة.
فها هم قوم نوح عندما استكبروا وأبوا أن ينصاعوا لنصيحة رسولهم ، وواحد من ظهرانيهم كان العقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة؟
جاء على لسان نوحٍ بعدما نصح لهم مستغرباً عدم تصديقه ، ومستهجناً رفضهم لنصيحته “أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” [الأعراف:63]
فكان الغرق مصيرهم والهلاك في انتظارهم”فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ “[الأعراف:64]
وهذا هود يحذر قومه من مغبة عدم الاستجابة لنصيحته ، ومحاولاً إقناعهم ، وحريصاً على أن يقبلوا نصحه “أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[الأعراف:69]
فكان الخسران والضياع لهم”فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ “[الأعراف:72]
وهؤلاء قوم صالح لما استكبروا بغير الحق ولم يستجيبوا لنصيحة نبيهم وقالوا له “قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”[الأعراف:76-77]
فكان العقاب في انتظارهم “فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ” [الأعراف:78-79]
من هنا كان الخطر يحيط بمن لا يستجيب لنصح الناصحين.

النصيحة داخل محيط الدعوة :
والنصيحة بين أبناء الحركة الإسلامية، سواءً كانت لأفراد أو لمؤسسات بداخلها أمر في غاية الأهمية، ولا غنى لها عنها إذا هي أرادت الاستمرار في طريقها،والمحافظة على أصالتها، والاستمرار
في أداء رسالتها ، وتطوير نفسها بنفسها ، واستيعاب كل أفرادها .
فالنصيحة داخل مؤسسات الحركة الإسلامية لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً ، أو التفريط في أدائها ، فهي تحفظ الصف من الإنحراف والإعوجاج … فهي في حق أبنائها واجبة ، حتى تستقيم دعوتهم ، وتشق طريقها نحو أهدافها ، وتصل إلى مرادها وهي على الطريق الصحيح دون تحريف أو تبديل.
فلا يُعقل أبداً أن يرى أبناء الدعوة أحدهم على الخطأ ولا يصوبونه أو يسير في طريق معوج ولا يُقوّمونه.
والنصح كله خير ما دام يؤدى بالطريقة المُثلى والأسلوب الأرقى … فهو خير للناصح والمنصوح بكل تأكيد.

خطورة ترك النصيحة :
بالإضافة إلى ما ذكرناه من خطر يُحيط بمن لا يستجيب للنصيحة ، والخوف من غضب الله ، واستحقاق اللعنة ، فإن خطر ترك النصيحة يتعدى المنصوح في بعض الأحيان ، ففي بعض الحالات يستوجب على الناصح أن يأخذ على يد المنصوح حتى يستجيب ، وإلا كان الضياع والهلاك لكليهما ، ولعل حديث السفينة يوضح المقصد مما نقول.
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ” مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا”1

النصح يشمل الجميع :
أصحاب النفوس الكبيرة يعلمون أن النصيحة ليست لفئة دون فئة ، أو أنها خاصة بعامة القوم أو أنها تكون لشخص على حساب آخر ، لذا فهم يؤدونها لكل الناس ، ويستقبلونها من أي فرد في المجتمع.
ولقد جاءت بعض النصوص القرآنية موجهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو خير البشر
على الإطلاق تحمل ضمن ما تحمل من معاني التوجيه والإرشاد وهو نوع من أنواع النصح وإرادة
الصواب والحق له ، وسوف نعرض لذلك ببعض النماذج :
قال تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا . وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا”[الأحزاب:1-3]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(يا أيُّها النَّبِي اتَّقِ اللَّهَ) بطاعته، وأداء فرائضه، وواجب حقوقه عليك، والانتهاء عن محارمه، وانتهاك حدوده(وَلا تُطِع الكافِرينَ) الذين يقولون لك: اطرد عنك أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك(وَالمُنِافِقِينَ) الذين يظهرون لك الإيمان بالله والنصيحة لك، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبالا فلا تقبل منهم رأيا، ولا تستشرهم مستنصحا بهم، فإنهم لك أعداء(إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما) يقول: إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم1
ويقول تعالي “عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى.أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى.فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى “[عبس:1-10]
ورغم أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم ” في هذه الحادثة لم يقصد إلا الخير للدعوة ، والرغبة القوية في إسلام عِلية القوم طمعاً في إسلام تابعيهم ، إلا أن التوجيه الإلهي نزل بالنصح والتوجيه لرسول الأمة صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة قالت: أنزلت( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أمّ مكتوم قالت: أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر ويقول:”أتَرَى بِما أقُولُهُ بأسًا؟ فيقول: لا ففي هذا أُنزلت:( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) .
النصح لكل مسلم :
وغيرها من الأمثلة في القرآن كثير يمكنك الرجوع إليها ، فهي ذات دلالة عظيمة في ضرورة توجيهها مهما كان حجم هذا الشخص أو وزنه ، فأحيانا ما يخجل إنسان من توجيه النصح لشخص ذو وجاهة ، أو خوفاً على توتر علاقاته به وتعرضها لعدم الاستقرار ، أو خوفاً من غضبه وإيثاراً لسلامة العلاقات معه.
وهو في الحقيقة مؤشر غير صحي،وبالذات في صف الحركة الإسلامية،التي لولا تعهد أصحابها بالنصح بعضهم لبعض لما استمرت في طريقها.
ولما صمدت في وجه التغيرات والتحديات ومتطلبات العصر التي تتطلب التغيير والتحديث والتجديد باستمرار.
وإليك أخي الداعية هذا الحديث عله يكون دافعاً لنا لتقديم النصيحة : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ فِيهِمْ النَّقْصُ كَانَ الرَّجُلُ فِيهِمْ يَرَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْبِ فَيَنْهَاهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ فَقَالَ ” لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ “[المائدة: ]
قَالَ وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ لَا حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ فَتَأْطُرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا1.

النصيحة وتصحيح المسار :
الكبار أصحاب النفوس الكبيرة هم أحرص الناس على النصيحة دون غيرهم ، فهم كما يؤدونها في صورتها النقية الواضحة الخالصة ، فهم كذلك يستقبلونها بكل رحابة صدر ، وبشاشة وجه ، ذلك أن النصيحة تعني للكبار تصحيح مسارهم ، فهم يعترفون ابتداءً أنه ليس هناك معصوم على وجه الأرض ، ويعلمون كذلك أن النصيحة هي الطريق الوحيد لتصحيح المسار ، وسد الثغرات وعلاج العيوب.
فإن من أراد الكمال في أمر ما ، لابد له من معرفة آراء مخالفيه حتى يتفادى الوقوع فيها.
النصيحة ومحاربة الفساد :
والنصيحة تعني عند الكبار التضحية والعطاء وإيثار راحة الغير على راحتهم ، فمعلوم أن النصيحة قد تجعل الآخرين يقفون موقف العداوة والبغضاء من الناصح ، خاصة إذا كانت النصيحة تتعلق بكشف المفسدين ، ومحاصرة الفساد المستشري في مجتمعاتهم.

الإسرار بالنصيحة :
النصيحة عند الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة تعني الستر ، وأن الأصل في النصيحة هو إرادة الخير للمنصوح لا التشهير به ، أو تجريحه أو توبيخه.
يقول الإمام أحمد المقدسي رحمه الله : ” والفرق بين التوبيخ والنصيحة الإعلان والإسرار”
ويقول ابن رجب رحمه الله :”كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سراً “
ويقول الشافعي رحمه الله :” من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه،ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه”
وأصحاب النفوس الكبيرة يُراعون نفسية المنصوح ولا يتسارعون إلى محاكمته أو تأنيبه أو حتى نصحه بطريقة مباشرة بل يُلمحون في بداية الأمر ويتجنبون النصح المباشر مقتدين بسيد البشر صلى الله وعليه وسلم وهو يقول ” ما بال أقوام يقولون كذا ويفعلون كذا “1

النصيحة والتعنيف :
البعض يأخذون من أداء النصيحة وسيلة للنيل ممن ينصحونهم أو الشدة عليهم والغلظة معهم ، ظانين بذلك أنهم سيحملونهم على إتباع الحق والالتزام به ، أما أصحاب النفوس الكبيرة فإنهم يعلمون جيداً أن دورهم هو الدلالة على الخير لا الإلزام به ، أما الإجبار فذلك حق الحاكم على رعيته.
يقول ابن حزم “ولا تنصح على شرط القبول منك فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح ، وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة ،وليس هذا حكم الصداقة ، لكن حكم الأمير على رعيته والسيد على عبده”2

النصيحة ليست نقداً :
الكبار أصحاب النفوس الكبيرة لا يعتبرون النصيحة نقداً أبداً ، فهم يأخذونها وسيلة لتعديل مسارهم ، وتصحيحاً لطريقهم ، وتقويماً لسلوكهم.
أما العامة ، أما الذين لم ترتقِ نفوسهم بعد ، ولم يتربوا على أخلاق الكبار فهم لا يقبلون النصح من الآخرين ، ولعل من الأمور التي تجعل البعض يرفض النصيحة ولا يقبلها اعتبارها نقداً موجهاً لشخصه ولكفاءاته وإمكاناته.
وفي الحقيقة أن اعتبار النصيحة نقداً ، أمر له سلبياته ويعكس خللاً تربوياً كبيراً لدى من يعتبره كذلك ، وشرخاً في تكوينه ، إذ أن ذلك سيحرمه من الاستجابة للنصيحة ، ويؤخره عن تدارك خطأه ، وتقويم نفسه.

لماذا يعتبرها البعض نقداً؟
البعض يعتبر النصيحة نقداً يمسهم مباشرة في شخصياتهم لرغبتهم في إظهار أنفسهم في الصورة الملائكية التي تصيب دائماً ولا تُخطئ ، في صورة الكمال التي لا عيب فيها ولا نقصان ، وهؤلاء في الحقيقة يُحمِّلون أنفسهم فوق طاقتها فكل ابن آدم خطاء كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :”كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”1
ومن أسباب اعتبار النصيحة نقداً : استصغار من قدمها ووصفه بقليل الخبرة ، قليل العلم ، صغير السن ، ومن ثم الاستعلاء والاستكبار على النزول على نصيحته ، إذ كيف يستجيب لها وهو من سادة القوم وكبرائهم ، والناصح ممن هم دونه في المسئولية والمكانة.
ومن أسباب اعتبار النصيحة نقداً : تمكن الشيطان من المنصوح ورغبته في الاستمرار على الباطل وعدم الانصياع للحق ، إذ أن ذلك يجعله لا يقبل نُصحاً ، ولا يسمع توجيهاً “وَإِذَا قِيلَ لَهُ
اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ “[البقرة:206]
ومن أسباب اعتبارها نقداً : سوء عرضها من الناصح الذي قد يعرضها بطريقة يُفهم منها التعالي على المنصوح ، وازدرائه وإهانته ، فتَحَسُس الناصح للجو النفسي المناسب لقبول النصيحة أمر له أهميته بالنسبة للمنصوح .
ومن أسباب اعتبارها نقداً : أن تكون النصيحة على رؤوس الأشهاد ، وفي العلن ، وأمام الآخرين مما يدفع المنصوح إلى محاولة الدفاع عن نفسه ، ورفض محتوى النصيحة بكاملها ، وصدق الإمام الشافعي رحمه الله حين قال “مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه”
ومن أجمل ما قيل في هذا المعنى :
تغمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعـــة
فإن النصح بين النـاس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعــه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تلق طاعــــة
آداب النصيحة :
مما سبق يتضح لنا أن هناك أموراً تتعلق بالناصح والمنصوح في قبول النصيحة ، والقاعدة الهامة التي يجب أن يعيها الإثنين (الناصح والمنصوح) التي جاء فيها “أن يؤديها الناصح في أكمل وجه وأن يقبلها المنصوح على أي وجه “
فالأصل في الناصح أنه يريد الخير لمن ينصحه لا النيل منه أو تجريحه ، وكذلك فإن المنصوح يجب أن يعتقد أن المستفيد الحقيقي من هذا التوجيه هو نفسه حتى وإن كان النصح جارحاً.

آداب الناصح :
ولأن المنصوح هو المعني في حديثنا فسوف نفرد له توجيهاً خاصاً ، ذلك أنه في اعتقادنا أن المنصوح هو المستفيد الحقيقي من النصح حتى وإن ارتقى هذا النصح إلى مستوى النقد ، فسوف ينتبه إلى خطأه الذي وقع فيه ، أو يعود لطريق الصواب الذي حاد عنه ، وقبل أن نشرع في خطابنا للمنصوح نوجز وفي عجالة آداب عامة يجب على الناصح أن يلتزم بها ، إن أراد لنصيحته أن تقلى قبولاً ، أو تُحدثُ أثراً :
الإخلاص : لأن الإخلاص أصل النجاح في كل الأعمال ، ولأن المقصد من النصح هو هداية المنصوح ، لا فتنته أو فضحه.
العلم : فينبغي للناصح أن يكون متأكداً مما ينصح به ، عالماً بصواب ما يقول وينصح به ، حتى لا يُضلل المنصوح ، أو يتسبب في أذيته. عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ (وَيَعْصِب عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)”1
الأمانة : أن يكون قاصداً الخير في نصحه ، لا إساءته أو تضليله.
الحكمة : فينبغي على الناصح أن يكون حكيماً في نصحه ، فلا يكشف ستر منصوحه ، فينصحه أمام الآخرين ، أو يُشعره بالدونية ، أو يتعالى عليه بنصحه “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”
الذكاء : بانتقاء الكلمات الرقيقة التي تدفع المنصوح للإنصات وقبول التوجيه.

يقول الشيخ عباس السيسي في كتابه الرائع الطريق إلى القلوب في هذه النقطة أن النسبة الأكبر في فشل النصيحة تقع على الناصح لأنه لم يعرف كيف يدخل إلى قلب من ينصح..وقال أنه ربما نجد بابا ضخما ولكن مفتاحه يكون بحجمالإصبع..فعلينا أن نعرف مفاتيح القلوب ونستخدم لكل قلب مفتاحه الخاص.
آداب المنصوح :
والآن نستطيع أن نهمس في أذن المنصوح قائلين :
(1)
أخي المنصوح : الكبار يعتبرون النصيحة وسيلة للمراجعة والتصحيح حتى لا نسترسل في خطأ وقعنا فيه ، أو هوى إنسقنا إليه ، فالنصيحة بمثابة وقفة مع النفس لمراجعتها والسير على بصيرة ، فكن كبيراً مثلهم.
(2)
أخي المنصوح : الكبار يُراجعون أنفسهم دائماً ، أما حين يتخذ الواحد منا أفكاراً أو قناعات يتمسك بها ويُرسخها بداخله فلا يحيد عنها ، فتتحرك الجبال الشم الرواسي عن قواعدها ولا تتحرك تلك القناعات أو الأفكار ، فلا يقبل المراجعة فيها أو النصح في بنودها حتى وإن تبين له أنها غير صحيحة ، فحينئذ ستكون بداية النهاية ، ولن يسلم من هوى يطغيه أو فساد في الرأي يُرديه.
وكما قيل فإننا لن نصل إلى الحقيقة التي ننشدها حتى نعرف آراء مخالفينا فندرسها ونُحللها ، ونستفيد بما فيها.
وقد افتتح الإمام البخاري أحد أبوب الصوم بكلمة لأبي الزناد جاء فيها “إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي”1
(3)
أخي المنصوح : استمع إلى النصيحة أو النقد الموجه إليك بنية البحث عن الحق والوصول إليه، أنت لست أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
اقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر رضي الله عنهما أن يجمع القرآن ، ولم يقبل أبو بكر بذلك ، فقال عمر : هو والله خير ، قال أبو بكر : فلم يزل عمر يراجعني فيه ، حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر.2
فلم يمنعه منصبه من قبول الصواب ، والعدول عن رأيه الذي كان يراه صائباً.
(4)
أخي المنصوح : أنت لست أفضل من خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، فبدلاً من رفض النصيحة وردِّها ، كان الأجدر بك أن تطلبها ابتداءً وتسمع لها بعد ذلك فأنت لست أصوب رأياً ولا أهدى فكراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول “…إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني …”1
(5)
أخي المنصوح : لا تفرح بفريق المداحين من حولك ، الذين يصفقون لك حتى إذا أخطأت ، ويُهللون لك إذا انحرفت ، ويهتفون باسمك إذا حِدتَ.
بل افرح بصدق ومن قلبك إذا أهدى إليك أحد إخوانك بعض عيوبك ، واعلم أنك على خير متى وفقك الله ووجدت مثل هذا الصاحب الأمين ، والصادق النصوح.
جاء في الحديث “من ولاه الله عز وجل من أمر المسلمين شيئاً فأراد به خيراً جعل له وزير صدق فإن نسى ذكرَّه وإن ذكر أعانه “2
كان الحر بن قيس من مُقربي عمر بن الخطاب ، وهمَّ عمر أمامه بضرب عُيينة بن حصن لتطاوله عليه ، فقال له الحر :”يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)”[الأعراف] وإن هذا من الجاهلين )
يقول الراوي :(والله ما جاوزها عمر حين تلاها ، وكان وقافاً عند كتاب الله)3
(6)
أخي المنصوح : رفضك للنصيحة من الآخرين يحمل ضمن ما يحمل من المعاني إدعاء العصمة ، وهذا يناقض طبيعتنا البشرية التي يُعتبر الخطأ فيها جزءاً من تركيبتها وطبيعتها ، فكل إنسان يؤخذ من كلامه ويُرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون.
(7)
أخي المنصوح : لا تضق ذرعاً بناصحيك حتى وإن اعتبرتهم “ناقديك” فيما يوجهون إليك من نصح أو نقد ، ولا تعتبره تعدٍ على حريتك ، أو كرامتك ، أو شخصك ، بل ينبغي أن تكون موضوعياً في تقبلك للنقد الموضوعي البناء، الذي يهدف إلى البناء والنفع ، وارفض النقد الهدام الغير موضوعي ، والغير مبني على حقائق ، والقائم على التجريح والتشهير والإساءة.
(8)
أخي المنصوح : عمِّق بداخلك القاعدة الهامة أن الكائن البشري أياً كانت درجة بشريته ، ومهما أوتي من علم وفطنة وذكاء فإن الخطأ سيظل سمة من سماته ، وأن درجة الكمال التي ننشدها في مجهودنا وأعمالنا البشرية التي نبذلها تحتاج إلى إصلاح الآخرين حتى تكتمل ، فالآخرون يرون ما لا نراه من قصور في أعمالنا وشخصياتنا.
واحفظ عني هذه الجملة ” النقد عبارة عن معلومات يمكن أن تساعدني على النمو “
(9)
أخي المنصوح : استجابتك للنصيحة ، وقبولك للنقد الموجه إليك ، لا يعني أبداً الاستسلام للآخر والإذعان له ، بل يُعد ذلك إيجابية في سلوكك ، وخلق عظيم من أخلاقك “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”[آل عمران:135]
(10)
وأخيراً أخي المنصوح : فقبول النصيحة والاعتذار عن الخطأ وتصحيحه أفضل من التمادي فيه ، فالعيب ليس في الرجوع عن الخطأ ، وإنما البلاء الحقيقي يكون في الإصرار على الباطل.
وقبولك النصيحة ينفي عنك الاتصاف بالكبر والتعالي ، ويُزيل من قلب ناصحك الحقد والبغضاء ، ويدفع عنك الاعتراض عليك وإساءة الظن بك حين يصدر منك ما ظاهره الخطأ.
فلا يكن همك عند سماع نصيحة موجهة إليك هو كيف تدفعها ، فيحملك هذا على اتهام الآخرين بما هم منه برءاء ، أو تبدأ في كيل الاتهامات في محاولة لنقل أبصار الآخرين واهتماماتهم بعيداً عنك إلى ناصحيك ، ومحاصرتهم بعدد من أخطائهم لينشغلوا بغيرك.
متناسياً ما وجه إليك من النصح أو التوجيه.
وأخيراً وليس آخراً … فلنردد جميعاً … ولنعش هذا المعنى الجميل الذي جاء على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه
” رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَىَّ عُيُوبِى “

1 – لسان العرب 5/4438 بتصرف
2 – لسان العرب 5/4438
3 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع عن أبي سعيد ح رقم (1100)
1 – صحيح البخاري ح رقم(2313) ، وأورده الألباني بلفظ مشابه في صحيح الجامع عن النعمان بن بشير ح رقم(5832)
1 -(تفسير الطبري آية 1 من سورة الأحزاب)
1 – سنن الترمذي ، ح رقم (2974)

1 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (4692)
2 – فقه النصيحة في ظل الإسلام ص 38 ، نقلاً من كتاب الرائد دروس في الدعوة والتربية ص 21
1 – سنن الترمذي ح رقم (2423) ، حسنه الألباني في جامع الترمذي ح رقم (2499)
1 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع عن جابر ح رقم(4362) وما بين القوسين ضعفه في ضعيف الجامع (4074)
1 – صحيح البخاري كتاب الصوم
2 – صحيح البخاري ح(4679)
1 – صحيح البخاري ح (401) ، وأورده الألباني في صحيح الجامع عن ابن مسعود ح رقم (2406)
2 – صحيح سنن النسائي للألباني ح(3920) ، وأورده الألباني في صحيح الجامع عن عائشة بلفظ قريب ح رقم(302)
3 – صحيح البخاري ح(4642)