غير مصنف

حفظ سورة الناس(الحلقة الثانية)

من هو الشيطان؟

مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ

هو عدو الإنسان الأول، وهو حريصٌ كل الحرص على الإيقاع به في شراكه عن طريق أساليبه الخبيثة والتي منها (الوسوسة).

الوسوسة: وهي ما يلقيه الشيطان في النفس لكي يرغب أتباعه في المعاصي ويزينها لهم، أو يوهمهم بأن في العمر سعة فلا بأس من تسويف التوبة، أو ما شابه ذلك “لَأَقْعُدَنَ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ” [سورة الأعراف : 17].

من هو الشيطان؟ “الخنَّاسِ”

هو يوسوس ويغري بالباطل ويصرف عن الحق …. نعم، ولكنه في الوقت نفسه خنَّاس، أي سريع الهروب عند ذكر الله سبحانه أو عند الاستعاذة بالله منه؛ فيتوارى ويضعف عند ذلك، ولذلك يقول سبحانه “إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا” [سورة النساء : 76].

وقال صلى الله عليه وسلم: (الشيطان يلتقم قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس عنده، وإذا نسي الله التقم قلبه) [حديث حسن، الجامع الصغير].

“الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ”.

من مَكْرهِ وخُبثه؛ إلقاؤه في الصدور، أي إلي القلوب مباشرة، لأن القلب هو الآمر الناهي، كل الأعضاء جنوده وخدمٌ مطيعون لأوامره وكل هذه الحيل والمكر لأن الشيطان توعد لبني آدم جميعًا “لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ” [سورة ص: 82 ] لذا فهو دائب العمل على ذلك، ودائما يستخدم سلاح الوسوسة في ذلك…..

“مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ”

من هو الإنسان؟

قد يصل الإنسان ـ من فرط شره وسوءه ـ إلى مرتبة الشيطان والجن، وقد يتفوق عليهم أحيانًا وهؤلاء من وصفتهم الآية الكريمة “أُولَئِكَ هُمْ شَرُ الْبَرِيَّةِ” [سورة البينة : 6] .. والشاهد في ذلك أن شيطان الجن قد يخفق في اقتياد أحد الشباب إلى أحد أماكن اللهو، بينما ينجح شيطان الإنس (صديق السوء) بكل جدارة؛ وذلك لأن شيطان الجن قد يقهره الشاب بالذكر فيخنس ويهرب، أما شيطان الإنس فإنه لا يَكَلُّ ولا يَمَلُّ، بل يُتْبِع الحيلة تلو الحيلة ويفكر ويُقَدِّر حتى يغوي صاحبه، لذلك قال صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالط) [حديث إسناده صحيح، رواه أحمد]

وكما قيل: الصاحب ساحب.

فائــــــــــــــــدة:

يقول الشيخ البروسوي في تنوير الأذهان:

وينحصر ما يدعو الشيطان إليه ابن آدم في ست مراتب:

الأولـــى: الكفر والشرك بالله، فإذا ظفر بذلك، خف أزيزه، وقل مع المرء عمله، واستراح من تعبه.

الثانيــــة: البدعة وهي أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يُتَاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها أنها صحيحة فلا يتوب منها.

الثالثــــة: الكبائر على اختلاف أنواعها.

الرابعــة: الصغائر التي إذا اجتمعت على صاحبها أهلكته.

الخامسة: إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، والتي تفوت عليه شغل وقته فيما يجلب له الثواب.

السادسة: إشغاله بالمفضول عن الفاضل؛ يُفَوِّتُه ثواب الأفضل منهما، فلنحذر كيد الشيطان، ولنعلم من أي هذه المداخل يأتينا…..

واجبات عملية ودروس مستفادة:

1) قراءة سورة الناس في الأوقات والأحوال سالفة الذكر (الرقية ـ الأذكار ..) وذلك بهدف اللجوء والاعتصام بالله سبحانه من شر الشيطان ووسوسته، ومن شر شياطين الإنس وما أكثرهم.

2) الاستعاذة بالله عز وجل وذكره مباشرة عند الإحساس بإلقاء الشيطان وسوسته في الصدر أو عندما يهم الإنسان بأمر سوء قولًا أو فعلًا، فإن ذلك يدحر الشيطان ويجعله يخنس “وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ …” [سورة فصلت : 36]

3) اختيار الصحبة الصالحة والجيران الصالحين، والابتعاد قدر الإمكان عن شياطين الإنس من أصدقاء أو جيران أو حتى أقارب .. فالابتعاد عنهم غنيمة “لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فَلَانًا خَلِيلًا” [سورة الفرقان : 28]

4) استخدام سورة الناس مع سورة الفلق (المُعَوِّذَتَيْنِ) في رقيا الأطفال الصغار وتحصينهم كما كان يفعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الحسن والحسين رضي الله عنهما.

5) لابد أن نتيقن أن الله سبحانه يحبنا، ويحب أن نلجأ إليه في أي وقت، ولا يمل من ذلك على عكس البشر فهم يملوا ويصيبهم الضجر سريعا .. ولو تأملنا السورة لوجدنا الله سبحانه وكأنه يعلمنا وينصحنا باللجوء إليه وطلب الحماية منه.

6) وقد قال أحد الأجانب الذين أسلموا تأثرًا بالقرآن وهو د / جفري لانج أنه أحس حين قرأ الثلاث سور الأخيرة في القرآن وكأن الله ـ عز وجل ـ يخاطبه معلما إياه، فيقول له: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”

اللهم انفعنا بسورة الناس وأدخلنا في رحمتك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إفادة:

يرى الشيخ محمد عبده أن تكرار كلمة الناس في السورة وإضافتها لاسمه (الرب) مع كونه ربًا للخلق جميعًا فيه خصوصية لهؤلاء الناس ومحض تشريف لهم وتعهدًا دائمًا لهم بالحماية والإعانة.