مع المتدبرين

وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي

الكاتب: محمد فتح الله كولن

ليس من الصحيح تفسير طلب زكريا عليه السلام ولدًا من ربه وكأنه عدم رضا وكراهية للقدر الإلهي. لأنّ هناك أمورًا مبنية علي هذا الطلب. فزكريا عليه السلام أولاً نبي مرسل إلي بني إسرائيل .وكان بنو إسرائيل حتى ذلك اليوم يمثلون من قبل الأنبياء في أمور الدنيا والدين.ويكفي أن نتذكر سلوك بني إسرائيل عندما اختير طالوت ملكًا وقائدًا لهم:(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) {البقرة:247}.

لذا فقد خشي زكريا عليه السلام ألا يعترف بنو إسرائيل بالشخص الذي سيأتي من بعده ولا ينقادوا له، وهذا يعني انفراط عِقْدِ الوحدة بين بني إسرائيل.

ونستطيع أن نظر إلي هذه الآية من زاوية أخري:

إن الإنسان ممتحن بكل أمر دنيوي. ونستطيع إعطاء مثال النبي إبراهيم عليه السلام والنبي زكريا عليه السلام.فقد كانت للنبي إبراهيم عليه السلام رغبة مكبوتة في نفسه،وهذه الرغبة ظهرت واضحة من فرحه ببشري الملائكة له بالولد. أما زكريا عليه السلام فقد دعا ربه دعوة واضحة وطلب منه العقب ويورد القرآن هذا الدعاء.

وحسب الحكمة الإلهية فقد امتحن النبيان بابنيهما. كأن الطلب الخفي كان أهون لذا امتحن النبي إبراهيم عليه السلام بطلب ذبح ابنه.أما زكريا عليه السلم فلأن طلبه كان ظاهرًا فقد امتحن امتحانًا اشد- وإن كانت عاقبته خيرًا- وهو ذبح زكريا وابنه يحي عليهما السلام من قبل قومهما.

وشدة الامتحان متناسبة مع درجة القرب من الله.وهذان النبيان كانا من المقربين، لذا كان امتحانهما شديدًا كل الشدة.

وفي هذه الآية نري دعاء زكريا عليه السلام وطلبه ذرية تخلفه لخشيته البقاء وحيدًا دون معاون أو نصير من أهله في أمور الدين والدنيا.لذا نري سورة آل عمران وهي تسجل دعاءه:(قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) {آل عمران:83}.

وورد مرة أخري (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) {الأنبياء:89}.

أي طلب ذرية من صلبه يكون وارثًا له في النبوة وفي آل يعقوب.

ورسولنا الكريم صلي الله علبه وسلم يقول: (إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) (رواه البخاري ومسلم). أي أن الأنبياء لا يحملون أي هم من هموم الميراث لأولادهم أو لأقربائهم. لذا فالدعاء هنا من أجل ميراث النبوة.وقد قبل خير الوارثين هذا الدعاء واستجاب له بإحسان منه وفضل.

وقد جعل الله تعالي- إظهارًا لعزته وعظمته- شيخًا كبيرًا وامرأة عاقرًا ستارًا لإحسانه وفضله.

ولكي يُشْعِرَ بأنه هو الوارث الحقيقي فقد استرجع بطريقة غير اعتيادية ما أعطاه بطريقة استثنائية وغير عادية.