الإيمان والحياة

الاعتراف بالخطأ والرجوع للحق من أقوى أخلاق الكبار

الخطأ في حياة الناس أمر وارد الحدوث ، ولا يستطيع إنسان أن يدعي العصمة مهما كان شأنه فيقول أنا لا أخطئ إلا الأنبياء والمرسلين ، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال ” كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون”1

والخطأ الحقيقي هو تمادي البعض في خطئهم ، وعدم اعترافهم به ، والإصرار عليه ، والجدال عنه بالباطل ، واعتبار الرجوع عنه نقيصة.

لماذا الرجوع إلى الحق من أخلاق الكبار؟

لأن الرجوع إلى الحق يعني الإعتراف بالخطأ ، وهذا قلما يقبله إنسان أو يعترف به.

ولأن الرجوع إلى الحق يعني إكساب الآخرين رجاحة القول والرأي ، وقد يُلحق النقيصة بالعائد في قراره ، وهذا أيضاً لا يقدر عليه إلا الكبار.

ولأن الرجوع إلى الحق قد يجعل الآخرين ينظرون إلى العائد في قراره على أنه ضعيف ، غير قادر على إدارة المركز الذي يشغله ، وهذا أيضاً لا يقدر عليه إلا الكبار.

ولأن الرجوع إلى الحق قد يُسهم في تقليل فرص الشخص في إلحاق مهام جديدة له في عمله ، وهذا ما لا يتحمله إلا الكبار.

محطات :

الكبار لهم محطات في حياتهم يُراجعون فيها أنفسهم ويصححون فيها مسارهم ، حتى لا يسترسلون في خطأ وقعوا فيه ، أو هوى انساقوا إليه ، فإذا كان هناك ثمة خطأ أو هوى عالجوه قبل أن يستفحل.

فهم ليسوا كالصنف من الناس الذين يُحددون لأنفسهم قناعات لا يحيدون عنها ، أو قرارات لا تقبل المراجعة والتصحيح ، فحينئذ لن يسلموا في قراراتهم من هوى مطغي ، أو خطأ مهلك.

بل يوقنون بأنهم بشر ، والبشر قد يجتهد ومهما كان اجتهاده للوصول إلى القرار الصحيح ، فإن احتمالات الخطأ واردة ، ولابد من تداركها ، ولن يكون هذا إلا بالاعتراف بالخطأ ابتداءً.

المشورة:

صغار النفوس لا يُفضلون استشارة من حولهم أو الاستئناس برأيهم حول قضية من القضايا ، خشية أن يُظهر ذلك عدم كفاءتهم أو عجزهم عن اتخاذ القرارات أو لتكبر جبلت عليه نفوسهم.

أما الكبار فيحرصون على الشورى ، ويلتمسون فيها الخير والبركة ، ولا مانع عندهم من العودة في آرائهم متى رأوا الصواب في غيرها.

وفي قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حول قضية جمع القرآن خير دليل على ذلك ، فالكبار يسعون إلى الحق ، واجتهادهم يكون للوصول إليه ، فمتى لاح لهم الحق سارعوا إلى اتباعه وإن جاء على لسان غيرهم ، فالخليفة أبي بكر كان متردداً في أن يُقدم على فعل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمر بن الخطاب يخشى على القرآن الضياع أو النسيان ، وكان يرى فيه الخير ، فظل أبو بكر يرفض ، وعمر يكرر دعوته حتى وافق أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين.

رويَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ : هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ…”2

بعد الغضب :

يتصرف الواحد منا في غضبه تصرفات فيها الكثير من الأخطاء ، ولعله يندم عليها بعد هدوئه وزوال أسباب الغضب ، والكبار لا يضيرهم أبداً أن يعملوا على إصلاح ما أفسدوه في لحظات الغضب ، ولا يُكابرون في ذلك ، بل ويُسارعون إلى الاعتذار إذا كان الأمر يستوجب الاعتذار ، ويُصلحون من شأن ما أتلفوه إذا كان الأمر يستدعي الإصلاح ، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي غضبه بطيء متأخر ، وفي نفس الوقت سريع العودة إلى الجادة والصواب متى أفاق من غضبه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه “…. ثُمَّ ذَكَرَ الْأَخْلَاقَ فَقَالَ يَكُونُ الرَّجُلُ سَرِيعَ الْغَضَبِ قَرِيبَ الْفَيْئَةِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ وَيَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْئَةِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ فَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْئَةِ وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْئَةِ قَالَ وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ تَتَوَقَّدُ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَجْلِسْ أَوْ قَالَ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ”3

سرعة العودة :

لا يختلف اثنان على أن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم هم خير الناس وأتقاهم “خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجيء قوم لا خير فيهم”4 ، ومع ذلك فإنهم لم يكونوا معصومين ، ولم يدَّعوا العصمة لأنفسهم بل إنهم إذا أخطأوا سارعوا بالعودة والإنابة.

وهكذا الكبار دائماً فإنهم لا يُصرون على خطأ وقعوا فيه أبداً ، بل يُسارعون إلى الاعتراف به ، وتصحيح الوضع القائم “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”[آل عمران:135]

والكبار إذا أصابهم ما يُصيب البشر من الخطأ والنسيان عادوا مسرعين “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ”[الأعراف:201]

فرصة للمراجعة :

الإسلام لا يُنكر ما يُمكن أن يحدث بين الأخوين المتحابين في لحظات الضعف البشري ، من اختلاف في القلوب ، ومشاحنات في الصدور ، وأحياناً تخاصم وتنافر ، والرسول صلى الله عليه وسلم دل على انه لا يجوز أن يهجر الأخ أخاه فوق ثلاث ، وما هذه المهلة الممنوحة إلا ليُراجع كل واحد منهما نفسه من جديد ، وما تعليق أعمالهما عندما تُعرض يومي الإثنين والخميس حتى يصطلحا إلا مزيداً من الفرص كي يُراجعا نفسيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَاأَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَاأَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”5

وفي رواية عند الترمذي ” تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر فيهما لمن لا يشرك بالله شيئا إلا المهتجرين يقال ردوا هذين حتى يصطلحا “6

الله يُعلِّمنا:

والله تعالى يُعلِّم عباده مراجعة أنفسهم ، وتصحيح مسارهم فيُمهلهم عندما يُخطئوا ولا يُعجل لهم بالعقوبة ، وهي إشارة إلى ضرورة أن يراجع الإنسان نفسه أولاً بأول ، ولا يُطيل على نفسه الأمد فيقسو قلبه ويألف المعصية ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”7

وما الإمهال إلا نوع من إعطاء الفرصة لمراجعة النفس ، وتصحيح المسار ، وتعديل الخطأ الواقع.

بل إن الله تعالى يجعل مجرد الاعتراف بالذنب والتوبة عنه كفيلان بقبول توبة التائب ، وهذا هو الرجوع إلى الحق بعينه جاء في الحديث ” فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ “8

تحذير:

والكبار يدركون حجم الإصرار على خطأ ارتكبوه ، أو التمسك بباطل وقعوا فيه ، ويعتبرون ذلك مكابرة قد تؤدي بهم إلى غضب الله ، والوقوع فيمن شملهم العذاب ، من المُصرين على أخطائهم ، جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”9

والكبار يعلمون أن الإصرار على الذنب وعدم الرجوع إلى الحق بعد أن تبين لهم يُعد نوعاً من الكبر المنهي عنه ، وقد يؤدي إلى ورودهم العذاب الشديد قال تعالى” وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ”[البقرة:206]

الجدل والتبرير :

صغار النفوس هم الذين يبحثون عن الأعذار والأوهام ، كي يقدموها ليُخفوا خلفها خطأهم ، ويُداروا بها عيوبهم ، فيستمرون في خطئهم الذي بدأوه ، وهم بذلك قد أضروا أنفسهم قبل أن يضروا غيرهم ، وأساءوا إلى أنفسهم قبل أن يُسيئوا إلى غيرهم.

وقد يكون السبب وراء استسهال هذا التبرير وعدم الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق هو أن يكون صاحب هذا السلوك قد أُوتي جدلاً ، ولحناً في القول ، وقدرة على البيان والإقناع “وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا”[الكهف:54]

ومن أمثلة هذا ، الذي حكى عنه القرآن “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ”[البقرة:204]

فهذا الصنف شديد الحجة ، قوي البيان ، لدرجة أن الله قد وصف حديثه أنه سيُعجب النبي صلى الله عليه وسلم.

فارق بين حالتين :

وحتى تقترب الصورة أكثر وأكثر أخي القارئ ، فإننا لدينا حالتين : حالة يمكن الاستدلال بها كصورة من صور الضعف ، ومحاولات التبرير ، وقلب الحقائق والإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل ، وحالة أخرى يُمكننا الاستدلال بها كنموذج للمراجعة والتصحيح ، والاعتراف بالخطأ والعودة إلى الصواب ، وتصحيح المسار.

إبليس: هو النموذج المُخطئ والصورة السيئة ، فربه قد أمره بالسجود فأبى ، فلما سأله عن السبب “… يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ”[طه:75] ، برر موقفه ، وجادل بالباطل ، وأصر على موقفه” قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ”[طه:76-78]

آدم : وهو النموذج المصيب ، والصورة الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الكبار دائماً ، فآدم عليه السلام أيضاً أخطأ ، فربه أسكنه الجنة ، يأكل من خيراتها ، وينعم بما فيها من رزق ، ونهاه عن شجرة واحدة “وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ”[الأعراف:19]

ثم عصى آدم ربه فأكل من الشجرة ، وسأله ربه وهو أعلم به “فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ”[الأعراف:22]

فسارع آدم وزوجه بالرجوع إلى الحق ، والاعتراف بالخطأ ، والمطالبة بالعفو والمغفرة” قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”[الأعراف:23]

محاسبة النفس:

والكبار يحاسبون أنفسهم على أقوالهم وأفعالهم ، فإذا كانت خيراً حمدوا الله ، وإن كانت غير ذلك عَدَّلوا من أنفسهم وقوموها ، ويُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أنه قَالَ : “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا”10

الرجوع إلى الله :

والعودة إلى الله أحق من أي شيء ، فإذا قصَّر العبد في حق ربه فعليه بالمسارعة بالتوبة والعودة من جديد ، والكبار هم الذين يُحدثون لكل ذنب توبة ، ويجعلون دُبر كل عمل استغفار ، فهم يستقبلون رسائل الله لهم ويفهمونها فيُسارعون بالاستجابة لندائه.

ومن الرسائل : التي يرسلها الله لعباده حتى يعودوا ” الابتلاء” قال تعالى “وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”[السجدة:21]

ومن الرسائل : إظهار الفساد المترتب على أعمال العباد ليلفت نظرهم ، ويُراجعوا أنفسهم “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”[الروم:41]

ومن الرسائل : إظهار الآيات البينات الواضحات الآية تلو الآية ” وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”الزخرف:48]

ومن الرسائل : إنزال العقوبة على أقوام استحقوا ذلك فيتعظ بهم من حولهم أو يكون ذلك حجة عليهم “وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”[الأحقاف:27]

والكبار يخافون أن يُصبحوا ممن أشار عنهم القرآن في قوله تعالى” فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”[الأنعام:43]

البطانة الصالحة :

الكبار يتخذون صحبة صالحة ، وبطانة تُذكرهم عند النسيان ، وتقومهم عند الخطأ ، وتأخذ أيديهم عند الإسراف.

والكبار يبتعدون كل البعد عن البطانة التي تمدح ولا تنصح ، وتُبالغ في إبراز المحاسن بطريقة تؤدي إلى العُجب والبطر وتغض الطرف عن المساوئ وإن كانت من النوع المهلك ، جاء في الحديث إ”ذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره و إن ذكر أعانه “11

الاعتداد بالرأي :

صغار النفوس هم الذين يتعصبون لآرائهم ولا يقبلون بغيرها حتى وإن كان هذا الغير أعمق من رأيهم فكراً ، وأكثر منه نفعاً.

أما الكبار فهم الذين يحملهم تواضعهم على قبول الرأي الآخر ، وتقديره والثناء عليه متى كان فيه الخير والصواب رافعين شعار ” قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”

والكبار لا يُقدسون أنفسهم فيدعون العصمة من الخطأ ، ولا يستخفون بآراء الآخرين أو يُسفهونها كي لا تتضح معالم الخطأ في قراراتهم.

وهم يسيرون في ركب الأقوياء فيصححون ما وقعوا فيه من خطأ متى ظهر لهم ذلك ، ويُقوّمون من اعوجاجهم متى نصحهم أحد بذلك.

الوصاية:

ومن الأسباب التي تجعل الناس يرفضون الرجوع إلى الحق ، والاعتراف بالخطأ ، اعتبار أنفسهم أوصياء على فكرة أو مؤسسة أو شركة يديرونها ، فيحملهم ذلك الإحساس على رفض الآخر ، وعدم الاستجابة السريعة لآرائه ومقترحاته خوفاً من سقوط الفكرة ، أو انهيار المؤسسة ، أو ضياع الشركة.

والكبار هم الذين ينأون بأنفسهم عن ذلك ، بل يُشركون غيرهم معهم ، ويعتبرون الجميع شركاء في بناء الفكرة ، ونجاح المؤسسة ، وإدارة الشركة.

التقارير الخاطئة:

ومن الأسباب التي تجعل الإنسان لا يستجيب للحق ، ويُبطئ في رجوعه إليه ، أن تكون التقارير المرفوعة إليه تقارير كاذبة ، خادعة ، غير حقيقية ، يرفعها إليه بطانته وسدنته من المستنفعين ، والمتملقين الذين يُزينون الباطل ، ويُجملون الخطأ ، فيظهرونه في أحسن صورة ، جاء في الحديث “إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره و إن ذكر أعانه و إذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره و إن ذكر لم يعنه”12

والكبار هم الذين ينزلون إلى الميدان بأنفسهم فيطلعون على الواقع بعيونهم ، ويتعرفون على الصواب و الخطأ فيما ولُّوا بأنفسهم ، فيسارعون بالتصحيح ، ويجتهدون في التعديل والتقويم.


1 – حسن ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (4515)
2 – صحيح البخاري – باب جمع القرآن رقم (4603)
3 – مسند أحمد ح رقم (11158) ، وفي سنن الترمذي ح رقم (2117) وقال الترمذي حسن صحيح ، وقال الألباني في جامع الترمذي ضعيف لكن بعض فقراته صحيح
4 – حسن ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (3293)
5 – صحيح مسلم ح رقم (4652)
6 – رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، وصححه الألباني في جامع الترمذي ح رقم (2023)
7 – صحيح مسلم ح رقم (4954)
8 – صحيح البخاري ح رقم (3826)
9 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (897) ، ورواه أحمد في مسنده ح رقم (6255)
10 – سنن الترمذي برقم (2383) وقال حديث حسن ، وضعفه الألباني في جامع الترمذي ح رقم (2459)
11 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (302)
12 – صحيح ، أورده الألباني في صحيح الجامع ح رقم (302)