قد يقول قائل: إنني أرى في نفسي مظاهر التضخم وأتمنى التخلص منها، ولكني لا أجد همة لذلك، فماذا أفعل؟!
هذا هو حالنا جميعًا – إلا من رحم الله – ولا بديل أمامنا إلا بالاستعانة الصادقة بالله عز وجل ليمدنا بمدد من عنده يعيننا به على أنفسنا، ولنعلم جميعًا أنه على قدر حجم الإناء الفارغ الذي سنطلب من الله ملأه سيكون المدد منه سبحانه، فالإمداد بحسب الاستعداد.
فلنلح ونلح عليه سبحانه بأن يتولانا برحمته، ويلحقنا بالصالحين، ويعيننا على معرفته، ومعرفة أنفسنا، وأن يجعل كلًا منا عند نفسه صغيرًا، وأن يؤتي نفوسنا تقواها و…
ومع هذا الإلحاح الدائم والمستمر على الله عز وجل، فإن هناك بعض الأعمال التي من شأنها – إذا ما أحسنا التعامل معها – أن تولد القوة الدافعة، والطاقة اللازمة لاستثارة الهمة والعزيمة للقيام بتنفيذ الوسائل السابقة…
من هذه الأعمال:
الخوف من الله.
معايشة القرآن.
قيام الليل.
الإنفاق في سبيل الله.
القراءة في سير الصالحين.
الخوف من الله:
للخوف من الله دور عظيم في إيقاظ القلب من غفلته. قال صلى الله عليه وسلم: ” من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة “.
وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق.
إن الخوف من الله يعد بمثابة السياط التي تقع على القلب فتوقظه من رقدته، وتستثيره للانتباه، والتشمير للسفر إلى الله، وبدونه فالقلب راقد، لا يستشعر أهمية شيء..
.. إنه أفضل وسيلة تؤهل القلب لحسن استقبال التوجيهات وتنفيذها، كما قال تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ [ النازعات: 26 ].
وسائل استجلاب الخوف:
أهم وسائل استجلاب الخوف من الله وزيادته في القلب ” كثرة ذكر الموت والتوقع الدائم لقدومه، قال صلى الله عليه وسلم: ” أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه”[1].
ولقد اشتكت امرأة إلى عائشة – رضي الله عنها – قسوة قلبها. فقالت: أكثري من ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت فرق قلبها.
ومن الوسائل المعينة للتذكر الدائم للموت: زيارة المقابر، وتغسيل الموتى، واتباع الجنائز، وكتابة الوصية، ودوام مطالعتها.
ومنها أيضًا: الاستماع إلى المواعظ والقراءة في كتب الرقائق.
معايشة القرآن:
مع كون القرآن دواءً ربانيًا شافيًا لكل أمراض القلوب، ووسيلة أكيدة لتزكية النفوس، إلا أن له كذلك قدرة عجيبة على استثارة المشاعر، وتوليد القوة الدافعة للقيام بالأعمال.
من هنا تشتد الحاجة إلى معايشة القرآن، والمدوامة على قراءته، والانتفاع به، والدخول في دائرة تأثيره.
فلنكن دومًا مع القرآن ولنسلم له أزمتنا، ولنجعله في أعلى سلم أولوياتنا، واهتماماتنا.
قيام الليل:
قيام الليل هو مدرسة الإخلاص، ومزرعته التي تبذر فيها بذوره، لتجنى ثمارها بالنهار ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [ الإسراء: 79 ].
.. فيه يتذكر كل منا أصله وعبوديته لربه.
وهو من أفضل الوسائل المولدة للطاقة والمثيرة للهمة…
.. إنه دواء يومي لابد من تناوله وإلا ضعفت العزيمة وفترت الهمة. ولكي تؤتي هذه الوسيلة ثمارها لابد من معايشة القرآن في القيام، وتدبره والتجاوب معه، وترديد كل آية تؤثر في القلب.
وفى السجود تكون المناجاة من ثناء على الله، وبث الشوق إليه، واستغفاره، واسترحامه.
.. نشكو إليه أنفسنا، وعدم قدرتنا على التعامل معها… نشهده بأننا لا غنى لنا عنه، ونلح عليه ألا يتركنا لأنفسنا ولو طرفة عين.
دوام الإنفاق في سبيل الله:
دوام الإنفاق في سبيل الله له دور كبير في تيسير التعامل مع النفس، فمن خلاله يتم تطهيرها من الشح المجبولة عليه، فتسلس قيادتها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [ التوبة: 103 ].
فلنستخدم هذا الدواء السهل، ولندوام كل يوم، ولنبكر في إخراج الصدقة حتى نحظى بدعوة الملكين، ونستفيد بها طوال اليوم. قال صلى الله عليه وسلم: ” ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا “[2].
القراءة في سير الصالحين:
من الأمور التي تستثير الهمم وتولد الطاقة: معرفة أحوال الصالحين وكيف كان تعاملهم مع أنفسهم مع شدة خوفهم من ربهم.
فلنقرأ في سير هؤلاء الأخيار، ومن الكتب المرشحة لذلك:
الزهد للإمام أحمد بن حنبل، الزهد لأبن المبارك، التواضع والخمول لابن أبى الدنيا، صفة الصفوة لابن الجوزى.
والله تعالى الموفق
[1] حسن، أخرجه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح ( 1211 ). [2] متفق عليه: البخاري (2/522، رقم 1374)، ومسلم (2/700، رقم 1010).