الكاتب: محمد فتح الله كولن
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة : 54]
فسر ﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ في هذه الآية بـ:”اقتلوا أنفسكم، أو ليقم الذين لم يعبدوا العجل بقتل الذين عبدوا العجل”. ولكن يمكن تفسيرها كما يأتي أيضًا: ما دمتم قمتم بتخريب الوحدة الدينية والاجتماعية والفكرية بعبادتكم العجل واتخاذه إلهًا، وبتهيئة أرضية للخلاف والخصام، إذن فهيا تقاتلوا… أو موتوا من جهة النفس والأنانية لكي تحيوا من ناحية الروح والقيم. أو حسب التعبير التصوفي: “اقتلوا في أنفسكم المشاعر السيئة أمثال القوة الشهوية والغضبية… الخ واعتبروها مشاعر أنانية سلبية لكي تكونوا أهلا لبعث جديد لحياتكم الروحية والقلبية”.
ومهما كان القصد من دعوة الذين عبدوا العجل أو لم يعبدوه لقتل أنفسهم، فإن دعوة كل فرد لمثل هذا التكفير والتطهر- للذين عبدوا العجل بسبب كفرهم البواح، وللذين لم يعبدوه بسبب سكوتهم- تحمل دلالات ومعاني عديدة.
وبجانب هذا فإن عملية التطهر المباركة هذه، وهذا الامتحان الصعب في تدمير النفس ولجريانه في داخل الذات كان أكثر إيلامًا. ومما يسترعي النظر أنه بدلاً من أمر “قاتلوا” الذي كان يرد في صدد قتال الآخرين، صدر أمر “فاقتلوا أنفسكم” مما ينبئ عن مضاعفة الآلام الداخلية والقلق النفسي كعامل تطهر وتطهير لتلك النفوس الآثمة.