الكاتب: الأستاذ الدكتور مصطفي عبد الواحد
حين بعث النبي صلي الله عله وسلم معاذًا إلي اليمن، ولاه القضاء بينهم فترة مقامه فيهم، وتلك ثقة غالية، ودِلاة واضحة علي إتاحة الفرصة للشباب السليم للتكوين؛ ليحمل أعباءه في المجتمع الإِسلامي.
وهو مسلكٌ كريم يحل كثيرًا من مشكلات الشباب الذين يعانون من وَطأة الكبار، ويشعرون أن شبابهم هو الذي يؤخرهم، وأن الثقة لا تكون إلا في الشيوخ. ومن هنا يحصل الإنفصام بين الفريقين.. ويعيش كل منهما في عالمه، أما في المجتمع الإسلامي الأول، فقد كانت الثقة بالشباب واضحة؛ لأنه شاب رُبي علي أقوم منهج.. بالحب ..لا بالكره.. وبالتشويق لا بالقسر.. وبالتعليم لا بالتوبيخ.
وقد سأل الرسول صلي الله عليه وسلم، معاذ بن جبل، قبل سفره إلي اليمن: “كيف تقضي بينهم؟”.
ولم يلقنه كيف يقضي بينهم.. بل أراد أن يعرف ما لديه في هذا الشأن.. فإن وجده صائبًا كافيًا.. أقره عليه.. وإلا زوده بما يحتاج.
إنه أسلوب حكيمٌ ينبغي أن يقف أمامه المربون والموجهون..الذين يظنون أن الخير كله في كثرة الأمر والتلقين والتأكيد..فيؤدي ذلك إلي ملل الشباب.. ونفورهم من هذه الطريقة.. بل إلي الاتجاه عكس ما يؤمرون به.
وأجاب معاذ: أَقْضِي بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ قَالَ: “فإن لم يكن في كتاب الله؟”. قال: فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال:” فإن لم يكن في سنة رسول الله؟”. قال أجتهد رأيي لا آلو[i]. قال فضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم صدري ثم قال:”الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله”.
هكذا أقر الرسول صلي الله عليه وسلم منهج معاذ بن جبل في القضاء.. وأقره علي الاجتهاد برأيه.. إن لم يجد في النص حكمًا صريحًا.
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم علي ثقةٍ بأن معاذًا رضي الله عنه، مع شبابه وفتوته، لن يصدر في اجتهاده عن هوًي، ولن تَجْنَحَ به نزوة، ولن يستخفه طمعٌ، فقد رباه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأحسن تربيته.
وهكذا.. كان الشباب في ظل التربية الإسلامية الراشدة، يحل المشكلات ولا يصنعها.. ويبني المجتمع المسلم، ولا يهدمه، ويجعل طاقاته كلها في سبيل الله، فقد عرف غايته، وأدرك الواجب الملْقَي علي عاتقه.
إن ماعرضته هنا أمثلة قليلة..من كثير من المواقف التي تحويها السنة النبوية والني تدل المربين والمصلحين علي طريقة الإِسلام في توجيه الشباب.. ومنهجه في حل مشكلاتهم..
[i]لا آلو: أي لا أقصر.