تزكية النفس

كيف يربي القرآن نفوسنا 3-3

نماذج قرآنية لتربية النفس

القرآن لا يكتفي في موضوع النفس ببيان خطورتها وضرورة الحذر منها ووسائل جهادها، بل يعرض لقارئه كذلك نماذج تربية الله عز وجل لرسله وأنبيائه على هذه المعاني العظيمة، وبخاصة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.

فمن توجيهات القرآن لنبينا عليه الصلاة والسلام :

التذكير الدائم بفضل الله عليه..قال تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: 52].. وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].. وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113].

  • ويُذكِّره أنه بالله لا بنفسه.. قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: 113].. وقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 74].
  • ويُذكِّره في بدايات الوحي بقوله: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: 6].
  • ويذكره كذلك بمدى فقره إلى الله: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 86، 87].
  • ويعلمه كيف يُعبِّر عن حالة الفقر والمسكنة والاستسلام لله عز وجل.. قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: 188].
  • ويذكره دوما بأنه عبد لله عز وجل لا يملك من الأمر شيئا مثله مثل سائر البشر.. قال تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: 128].

احتياجات التغيير القرآني :

رأينا فيما سبق قدرة القرآن على التغيير من خلال المحاور الثلاثة: العقل والقلب والنفس لينتج ذلك كله شخصية سوية تتمتع بفكر صحيح وعاطفة جياشة، وسلوك سوي مستقيم، أي أنه ينتج عبدا لله عز وجل في كل أموره وأحواله، شعاره قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ﴾ [الأنعام: 162، 163].

هذه القدرة الفذة على التغيير التي يحملها القرآن في طياته كيف نستدعيها وننتفع بها، أو بعبارة أخرى.. ما الأمور التي يحتاجها القرآن ممن يتعامل معه ليحدث فيه هذا التغيير ؟

لو فكرنا معا في هذا الأمر، واسترجعنا ما قيل في الصفحات السابقة لخلصنا إلى أن احتياجات التغيير القرآني تتمثل في هذه النقاط :

أولا: تفريغ أكبر وقت للقرآن وعدم الانشغال بغيره – قدر المستطاع – ليتمكن القرآن من إعادة تشكيل العقل وترسيخ المعاني فيه، وبناء القاعدة الإيمانية في القلب، ومعرفة النفس معرفة حقيقية، وتزكيتها وترويضها على القيام بطاعة الله مع تحري الصدق والإخلاص.

وهذا يستدعي أيضا المداومة على قراءته واعتبار أنه بمثابة الوجبة اليومية للعقل والقلب والنفس، فبها يتم دوام التذكير، ووضوح الرؤية، ومن خلالها تتولد الطاقة الدافعة للعمل.

ثانيا: التركيز الشديد عند قراءته والإنصات التام له، وعدم السماح للذهن أن يشرد.

ثالثا: القراءة ببطء وترسل للتمكن من فهم المراد من الآيات.

رابعا: تدبر الآيات وفهم المعنى الإجمالي المقصود منها، وأن يكون الهدف من قراءته البحث عن الهدى فيه لتحقيق المقصد من نزوله.

خامسا: ترديد الآية التي تؤثر في القلب لاستثارة المشاعر وترسيخ المعنى في اللاشعور وزيادة الإيمان في القلب.

سادسا: حسن الاستفادة من الطاقة المتولدة من القراءة بتوجيهها نحو أعمال البر المختلفة والتي دلت عليها القراءة.

إن الذي يقرأ كتابا – أي كتاب – له هدف من قراءته، والذي يستمع إلى شريط أو يقرأ صحيفة له هدف من ذلك، والقرآن ليس بأقل من هذه الأشياء، فلا ينبغي أن نقرأه لمجرد القراءة، أو طلب الثواب فقط دون النظر إلى الهدف الأسمى الذي من أجله أنزله الله عز وجل.