قبل أن يشرع الواحد منا في الذكر من تسبيح وتهليل وحوقلة.. هل يستعيذ بالله من الشيطان؟
وقبل أن نبدأ بالصيام، أو نؤدي العمرة، أو نخرج الصدقة.. هل نستعيذ بالله من الشيطان؟
.. الإجابة المتوقعة من الجميع هي (لا) لأن الشرع لم يطلب منا ذلك.
ولكن هناك عبادة وحيدة طلب الله منا قبل الشروع فيها أن نستعيذ به من الشيطان..
أتدري أخي القارئ ما هي؟
.. إنها قراءة القرآن {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
إنه أمر يستحق التفكر فيه.. لماذا القرآن دون غيره من العبادات؟
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي معرفة السبب الأسمى لنزول القرآن، والذي حملته الكثير من الآيات، منها قوله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [المائدة: 15، 16].
لقد أنزل الله القرآن ليكون مصدرًا للهداية إلى طريقه وجنته.. أنزله ليكون بمثابة النور الذي يهدي الحائرين، ويُرشد التائهين إلى الصراط المستقيم، ومِن ثَمَّ ينعموا بالعيش الآمن في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123].
ولما كان الشيطان هو العدو المبين للبشر جميعًا، وأن هدفه الدائم هو إضلال الناس أجمعين، ولأنه يوقن تمامًا قدْر ما في القرآن من الهداية، ويدرك حجم معجزته، وقوة تأثرها على من يُحسن الدخول إليها، فإنه يعمل جاهدًا على صرف الناس عن قراءة القرآن حتى تسهُل عليه مهمة إضلالهم.
فإن جاهده البعض وبدأ في القراءة، فإنه لا يتركه ليفلت منه ويمسك بحبل القرآن، بل يعمل جاهدًا على أن يصرف ذهنه عن فهم ما تضمنته الآيات من معان هادية، ومدخله لذلك هو تزيينه له القراءة السريعة ليُحصِّل بها أكبر قدر من الحسنات.
فإن جاهده القارئ، واجتهد على أن يُعمل عقله فيما يقرأ، حاول أن يجعل عقله يشرد مع كلمة من كلمات القرآن فيُذكِّره من خلالها بموقف من مواقفه السابقة فيسرح ذهنه معه، وينشغل لسانه بالقراءة دون فكره وعقله.
فإن جاهده القارئ، ولم يشرد ذهنه مع القراءة، فإنه يدخل عليه من باب التعمق في فهم كل كلمة يقرؤها، ليصبح بذلك القرآن مخاطبًا لعقله فقط، دون أن يؤثر في قلبه، ومِن ثمَّ تصبح ثمرة قراءته زيادة معارفه العقلية دون زيادة للإيمان في قلبه.
فإذا ما فهم ما يقرؤه من آيات وتأثر بها، دخل عليه من باب أنه أحسن الناس وأفضلهم لأنه ينتفع بالقرآن دونهم.
وهكذا يجتهد الشيطان في صد الناس عن الانتفاع بالقرآن، لذلك كانت الاستعاذة بالله من أجل دفعه ضرورية، فلا طاقة لنا بالشيطان، والذي يقدر على صرف كيده عنا هو الله عز وجل، فلا تنس أخي القارئ أن تبدأ قراءتك بالاستعاذة ولتكن استعاذة قوية صادقة، يرى الله من خلالها صدقك في طلب عونه وحمايته لك من ذلك العدو فيصرفه عنك، فتنتفع بالقرآن.