أعظم شيء في الحياة أن تحيا لأعظم موجود فيها، وهو الله جل شأنه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
وكلما اقتربت بصدق من ربك وصلت بنفسك إلى أعلى مقام يصل إليه البشر، وهو التحقق في قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
ومن يُقلِّب وجهه في أنواع الناس ومشاربهم في الحياة يراهم على نوعين: منهم ربانيون.. يعرفون ربهم، ويؤمنون بوجوده ووحدانيته، فيحبونه ويتعلقون به، فأسمى أمانيهم في الحياة أن يرضى الله عنهم، يحبون من أحب ويكرهون من كَرِه، لا يسألون أحدًا سواه، ولا يعتمدون على أحد غيره، ولا يخافون إلا منه وحده، ذلك لأنهم يعتقدون اعتقادًا قويًّا لا يهتز بأن أمور الدنيا والآخرة بيده وحده سبحانه.
علموا أن الله قد أعطى الناس حرية الاختيار فاختاروا الله جل شأنه إلهًا واحدًا لا شريك له أبدًا، وكفروا بكل ما يُعبد من دونه.. قال سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148].
ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبَّر ثم قال: وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونُسُكي ومَحْيَايَ ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين. اللهم! أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدِني لأحسن الأخلاق، لا يهدني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئَها، لا يصرف سيِّئَها إلا أنت، لبَّيْك وسعديك! والخيرُ كلُّه في يديك، والشر ليس إليك، وأنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك»[1].
والمتأمل لهذا الاستفتاح الصادق لصلاته صلى الله عليه وسلم يراه يرفع شعار الربوبية في أعلى مقاماتها.. ويريد أن يكون لأمته يوم القيامة، فصلاتها وحياتها ومماتها لله رب العالمين، وبأمر من الله تعالى يُكرِّر المسلم في كل صلاة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، لكي يسمع العقل والقلب وتعلم الجوارح أننا لا نعبد إلا الله وحده، ونستعين به في صغير أمورنا وكبيرها.
فبإشراقات هذا المبدأ القرآني تتحقق في التقوى معاني الربانية، ويمتن الله على عباده بوافر النعم، فيقول لهم: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
[1] صحيح.تاريخ آخر تحديث: السبت, 27 تشرين2/نوفمبر 2010 14:12