عندما طلب الله عز وجل من الملائكة أن تخبره بأسماء الموجودات على ظهر الأرض كانت فحوى إجابتهم: كيف نخبرك بشيء لم تُعلِّمنا إياه ﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: 32].
.. فالعلم لا يستمد إلا من خزائنه: ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ [يوسف: 68]. وأي فهم، أو حكمة، أو حجة تأتي على لسان أحد فمن عنده سبحانه:
- ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الأنبياء: 79].
- ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: 83].
- ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ [البقرة: 269].
.. وعندما أنزل الله عز وجل الملائكة تقاتل مع المؤمنين في بدر، وأنزل
كذلك النعاس والمطر، ذكَّرهم بأن هذه الأشياء لا تُحدث نصراً بذاتها.. لماذا؟ لأن النصر لابد وأن يأتي من عنده سبحانه ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ` وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ [الأنفال: 9-10].
.. الدنيا كلها ظلمة، وأى نور فيها فهو مستمد من الله عز وجل “اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” [النور: 35].
﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ [النور: 40].
.. والرحمة التي ترى مظاهرها الكثيرة في الحياة.. كلها مستمدة من خزائن الرحمة الإلهية ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾ [فاطر: 2].
قال صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الرحمة مائة جزء، أمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفَرَسُ حَافِرها عن ولدها خشية أن تصيبه»([1]).
حتى الرحمة التي كانت في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مستمدة من خزائن الرحمة الإلهية ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران:159].
.. وأي جود، وأي كرم تراه في أحد فهو مستمد من خزائن الجود والكرم الإلهي.. جاء في الأثر: «أنا الجواد ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم»([2]).
.. وكل آثار لقوة تراها في الحياة فهي مستمدة من خزائن الله ﴿لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ﴾ [الكهف: 39].
وعندما قالت عاد ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ كان الرد الإلهي ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: 15].
..والشعور بالسكينة، والسلام مستمد من خزائنه ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾[الفتح: 18]، «اللهم أنت السلام ومنك السلام»([3]).
.. والصبر من خزائنه: ﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ﴾ [النحل: 127].
.. والثبات من عنده: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27].
﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً﴾ [الإسراء: 74].
.. والشفاء من عنده: «.. لا شفاء إلا شفاؤك»([4]).
.. والتقوى من عنده: ﴿وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].
.. والتوبة في خزائنه: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة: 118].
.. والتوفيق من عنده: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ﴾ [هود: 88].
.. والتيسير كذلك: «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً»([5]).
.. والعزة كلها من عنده: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10].
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180].
.. فسبحان من بيده ملكوت كل شيء.
.. سبحانه، لا رب غيره، ولا إله سواه: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: 102].
.. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعتقدها ونوقن بها، ونشهدها، ونشهد بها ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].
يدبر الأمور كلها:
الله عز وجل هو وحده الذي يدير هذا الكون ويتابعه.. يقدم ويؤخر.. يخفض ويرفع.. يقبض ويبسط.. يحيي ويميت.
لم يفلت منه سبحانه زمام الكون لحظة واحدة- حاشاه- ﴿هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [البقرة:255].
أَزِمَّة الأمور كلها بيده ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ `لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الزمر: 62، 63].
فترتيب الأمور والأحداث، والعلاقات المتشابكة بين الأشخاص، ومقدار أرزاقهم المادية والمعنوية.. كل ذلك وغيره يتولى الله عز وجل تدبيره وترتيبه بما يناسب مصالح عباده ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى: 12].
([1]) رواه مسلم في كتاب التوبة (6906).
([2]) أورده ابن رجب في لطائف المعارف ص 183، دار ابن حزم – بيروت.
([3]) رواه مسلم.
([4]) رواه البخاري ومسلم.
([5]) رواه ابن حبان في صحيحه (2427) وصححه عبد القادر الأرناؤوط في تخريج الأذكار للنووي.