التربية الإيمانية

ثمار الإيمان (3/4)

من ثمار الإيمان

سابعًا : اختفاء الظواهر السلبية وقلة المشكلات بين الأفراد

عندما يضعف الإيمان : يعلو الهوى ويسيطر على الإرادة .

والهوى هو كل ما تميل إليه النفس ، أي أن غلبة الهوى معناها سيطرة النفس بأطماعها على إرادة الإنسان وقلبه ، فيصبح أسيًرا لها .

فالنفس شحيحة تحب الاستئثار بكل ما تظن أن فيه نفعها فينشأ عن هذا الهوى – عندما يتمكن من القلب – الطمع والظلم والبخل والتعدي على حقوق الآخرين .

والنفس تريد دومًا العلو على الآخرين وتكره أن يتميز عليها أحد فينتج عن ذلك الحسد والحقد.

والنفس تكره الظهور بمظهر المخطئ فينشأ عن هذا الهوى عندما يسيطر على القلب : الكذب والغش والخداع ..

والنفس تكره المشاقّ والتكاليف فينشأ عن ذلك : الفسوق وعدم القيام بالأوامر الشرعية …

وهكذا تنطلق جميع الظواهر السلبية والمشكلات من ضعف الإيمان وغلبة هوى النفس.

والحل الأول والأمثل لعلاج المجتمع المسلم من ظواهره السلبية إنما يكون بإصلاح الإيمان، فكلما ازداد الإيمان في القلوب انحسر تأثير الهوى عليها وقويت الإرادة ودفعت صاحبها لمكارم الأخلاق ومعاليها .. تأمل قول الله تعالى : ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [ص/24].

ليس معنى هذا هو انعدام المشكلات بين الأفراد ، فالطبيعة البشرية وما تحمله من ضعف تأبى ذلك ، ولكنها – إن حدثت – تكون هينة ، عارضة سرعان ما تزول عندما يسمع أصحابها حادي الإيمان ينادي عليهم أن اتقوا الله  ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص/30].

فعلى سبيل المثال : عندما عزم أبو بكر الصديق على قطع النفقة التي كان ينفقها على مسطح بن أثاثة لأنه كان ممن تكلم في حادثة الإفك نزل القرآن ليُذكّره وغيره بفضيلة العفو بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور/22]  فعند ذلك قال الصديق : بلى والله إنّا نحب أن تغفر لنا يا ربنا ، ثم أرجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدًا[1].

.. وعندما اختلف رجلان على ميراث بينهما وذهبا يحتكمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماذا فعل معهما ؟! .

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد دُرِست ليس بينهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم ألحَن بحُجَّته من بعض فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة » فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : حقي لأخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخَّيَا الحق ثم استهما ثم ليتحلل كل واحد منكم صاحبه» [2].

عمر يستقيل من القضاء :

عندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة قام بتعيين عمر بن الخطاب قاضيًا على المدينة ، فمكث عمر سنة لم يفتح جلسة ، ولم يختصم إليه اثنان ، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء ، فقال له أبو بكر : أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر ؟!

فقال : لا يا خليفة رسول الله ، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين ، عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه ، وما عليه من واجب فلم يُقصِّر في أدائه .. أحب كل منهم لأخيه ما يحبه لنفسه .. إذا غاب أحدهم تفقدوه ، وإذا مرض عادوه ، وإذا افتقر أعانوه ، وإذا احتاج ساعدوه ، وإذا أصيب واسوه ..دينهم النصيحة ، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون ؟ ففيم يختصمون ؟!

************

ومن ثمار شجرة الإيمان المباركة

  ثامنًا : التأثير الإيجابي في الناس

ليس على المسلم فقط أن يكون صالحًا في نفسه ، بل عليه أن يعمل على إصلاح غيره ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان/17] .

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[فصلت/33].

﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف/170].

فالدعوة إلى الله هي عمل الرسل وأتباعهم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[يوسف/108] .

ونجاح الداعية في دعوته للناس يعني التأثير الإيجابي فيهم .. هذا التأثير يستلزم وجود روح حي ، ورغبة جارفة تهيمن على قلبه تستحثه لإنقاذ الآخرين ، فيخرُجُ كلامه محملًا بالحرقة والشفقة عليهم .. ولا يمكن التلبس بهذه الحالة إلا من خلال يقظة الإيمان وتمكنه في قلبه .

.. الإيمان الحي يدفع صاحبه للبدء بنفسه في القيام بالعمل الصالح قبل أن يدعو الناس إليه ، فيصدق قوله فعله ، ومن ثَمَّ يزداد تأثيره في الآخرين .

 يقول سيد قطب : الكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال ، ويؤيدها العمل هي الكلمة المثمرة ، التي تُحرك الآخرين إلى العمل .

ويقول : أيما داعية لا يصدق فعله قوله ، فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب مهما كانت كلماته بارعة ، وعباراته بليغة[3].

القلوب بيد الله :

إن الذي يفتح القلوب لكلام الدعاة هو الله عز وجل فإن رأى منهم صدقًا وإخلاصًا ، ورغبة في نفع المدعوين ، وشفقة صادقة عليهم فإنه سبحانه يفتح لهم – بفضله – قلوبهم .

وكلما علت  منزلة العبد عند ربه بالإيمان أحبه الله عز وجل ، ومن ثَمَّ وضع له القبول في الأرض كما في الحديث : « إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل : إن الله يحب فلانًا فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانًا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض»[4].

أصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك :

.. انظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمشي بجانب راحلة عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه قبل سفره  على رأس الجيش المتوجه إلى الشام قائلًا : « يا عمرو ، اتق الله في سرائرك وعلانيتك واستحيه ، فإنه يراك ويرى عملك .. فكن من عمال الآخرة ، وأَرِد بما تعمل وجه الله ، وكن والدًا لمن معك ، ولا تكشفن الناس عن أستارهم ، واكتفِ بعلانيتهم .. وإذا وعظت أصحابك فأوجز ، وأصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك »[5].

.. ولما حضر أبا بكر الموت أوصى باستخلاف عمر بن الخطاب ، ثم بعث إلى عمر فدعاه فكان مما وصاه به :

إن أول ما أحذرك نفسك ، وأحذرك الناس .. فإنهم لن يزالوا خائفين لك فرقين منك ما خفت الله وفَرَقْته[6].

وعن المِسوَر بن مخرمة قال : كنا نتعلم من عمر بن الخطاب الورع[7].


[1] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/259 ، 260 .

[2] أخرجه الإمام أحمد  ( 6/320) ، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، وابن أبي شيبة ( 7/353 ) . والإسطام : هي الحديدة التي تُحرَّك بها النار .

 [3] في ظلال القرآن 4/2369.

[4] متفق عليه ، أخرجهالبخاري (3/1175 ، رقم 3037) ، ومسلم (4/2030 ، رقم 2637).

[5] حياة الصحابة 1/544.

[6] حياة الصحابة 1/541.

[7] أخرجه ابن سعد (3/290).