الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
إن السالك لطريق التربية لا بد له من نور يضيء له الطريق، ويقوده إلى هدفه من دون عثرات.
ولقد وضح لنا الله تعالى في غير آية من القرآن ماهية هذا النور..
فوصف القرآن الكريم بأنه نور فقال : ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة : 15].
ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم أيضا بأنه نور ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب : 45 ، 46] .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نورًا، فإن انعكاس هذا النور وأثره سنجده من دون شك في أقواله وأفعاله ومعاملاته .. ويمكننا أن نقتفي أثره في حلِّه وترحاله .. في غضبه ورضاه .. في فرحه وحزنه ..
ولقد قال صلى الله عليه وسلم .. وهو الذي لا ينطق عن الهوى: « تركت فيكم شيئين ، لن تضلُّوا بعدهما : كتاب الله ، وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يرِدا على الحوض »[1].
فالنبي صلى الله عليه وسلم يجدد لنا الصلة الوثيقة بين السنة والقرآن ..
فإذا كان القرآن هو العامل الأساسي والنقطة المحورية في طريق التربية فبِنَص الحديث نجد أن السنة لا تفترق عنه ، فلها أيضا دور هام وكبير .. بل كبير جدًّا كرافد أساسي من الروافد التي تصب في مجرى التربية..
فعلى سبيل المثال :
قد وضَّح القرآن أهمية صون اللسان : فقال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ …وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون : 1-3].
ثم نجد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يُعضِّد هذا الخٌلُق ويؤكده في نفوس الصحابة في أكثر من موضع وبأكثر من لهجة تربوية كقوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت»[2].
هذا على سبيل العموم .. أما على سبيل الخصوص نلمس الترهيب الشديد من مخاطر اللسان في قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه « يامعاذ ! ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم ؟ ! فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليقل خيرا أو يسكت عن شر قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا »[3].
فمن هذا المثال وغيره من الأمثلة يتراءى لنا دور تلك المواقف التربوية من السنة النبوية في التربية ، والتي كان لها الأثر البالغ في تشكيل وتكوين هذا الجيل الرائع المتفرد: جيل الصحابة ..
ومن هنا تبدأ رحلتنا مع هذا الباب الهام ( المواقف التربوية من السنة النبوية ) .. سائلين المولى عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
[1] حديث صحيح : أخرجه الحاكم (1/172 ، رقم 319) ، والدارقطني (4/245) ، وصححه الألباني . [2] متفق عليه : أخرجه البخاري (5/2240 ، رقم 5673) ، ومسلم (1/69 ، رقم 48). [3] أخرجه الحاكم ( 4 / 286 – 287 )، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 699.