الكاتب: محمد فتح الله كولن
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[البقرة : 117]
يأتي معنى فعل “بدع” في اللغة العربية بمعنى الإيجاد والخلق على غير مثال أو أنموذج سابق.
وتعرض الأرض والسماوات التي لا حد لوسعتها أنموذجا للجمال الذي لا يمكن أن يشبع الإنسان منه. أي هي من الكائنات والمخلوقات العجيبة التي لم يسبق وجود أنموذج لها من قبل.
فهي مذهلة ومدهشة ولا يمكن أن يكون هناك أكثر منها جمالا وجاذبية لعدم وجود مثال سابق لها من جهة، ولطبيعة مادتها الأصلية وهيئتها الحالية من جهة أخرى. وهي تشير وتومئ بمليارات من الإشارات النورانية إلى خالقها ومبدعها.
أجل! خلقت الأرض والسماوات جميعًا بكل ما فيها وبكل جمالها وجلالها الأخاذ وبكل أسرارها وبدرجة الكمال التي لا كمال فوقها، ودون أي نقص أو قصور بكلمة “كن” من قبل خالقها. وهي ليست أجزاء جاءت وانفصلت منه تعالى، وليست ظهورًا له سبحانه، لأن العلاقة بين الكون وبين مبدعه تبارك وتعالى هي علاقة الخالق بالمخلوق. أي أن هذه العلاقة ليست تولدًا منه أو صدورًا عنه أو ظهورًا حتميًا وغير إرادي له.
وعلى فرض المستحيل لو كانت هذه هي العلاقة َلما كان كل هذا الصدور والظهور معرضًا للتفتت والتجزؤ والنفاد مثل نفاد وقود الشمس في يوم من الأيام بينما يُخلق كل شيء ثم ينمو ويتطور ثم ينمحي ويذهب ويفنى ثم يعقب هذا الفناء وجود آخر بنفس الجمال والجاذبية… أجل! كل شيء يأتي واحدًا إثر آخر، ثم يرحل واحدًا إثر آخر، ولكن يبقى بديع السماوات والأرض وحده دون زوال أو تحول أو فناء.
وعندما يتكرم الله تعالى ويهب نور الحياة للآتين، فهو يعبر لأولي الألباب عن معنى الوجود، وعندما يحل القادمون الجدد بنفس النعم المهداة إليهم، بعد ذهاب الزائلين، فهو يشير إلى أبديته وأزليته.