الكاتب: محمد فتح الله كولن
﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة : 1 ، 2]
كلمة “هدى” الواردة في الآية الكريمة هي بصيغة المصدر، وتحمل معنى أن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى الهداية وإلى الهدف المنشود وراءها دون جهده الخاص.
وبتعبير آخر فإننا إن أخذنا التنوين أيضًا بنظر الاعتبار نعلم بأن هذا الكتاب -الذي لا توجد فيه ذرة واحدة من الشك والريبة- هو مصدر الهداية للمتقين… للمتقين فقط، لأن نفوسهم خلت من الشبه والريب، وتوجهت قلوبهم وأرواحهم لتقبل الحق ورعاية سنن الفطرة الإلهية.
وشريعته الغراء، وصفت نفوسهم واستعدت لقبول الهداية والاستفادة منها دون أن يمنعهم عن ذلك أي فكر أو حكم مسبق.
ولكن كلمة “هدى” الموجودة في آخر الآية ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة : 5] مذكورة بصيغة المصدر، أي أن الله تعالى قد يتكرم على عباده بالهداية دون وجود علاقة السبب والنتيجة التي خلقها وجعلها من أسباب الهداية.
وباب التقوى هو الباب الذي يوصل وينفتح على هذا الكرم والعطاء.
والمرتبة الأولى لمثل هذه التقوى هي الإيمان والمعرفة الحقة، والمرتبة الأخيرة هي الوصول إلى مرضاة الله تعالى. وكما جاء في التصريح المختصر للآية لا يجد طريق الخلاص إلا من وصل إلى هذا المستوى من التقوى. ثم إنه على الرغم من سياق الآية وكون الهداية مرتبطة بايجاد الله تعالى لها فإن وصول الإنسان إلى الأمن والأمان وإلى الاطمئنان في الدنيا، وإلى الفلاح يوم القيامة يرجع بمقياس كبير إلى سلوكه وتصرفاته التي يبديها بإرادته الحرة.
إذن يمكن القول باختصار بأن كلمة “الهدى” الأولى سبب، وكلمة “الهدى” الثانية نتيجة مضمخضة بعطر اللطف والإحسان، وكلتاهما جواب لدعاء “اهدنا” الوارد في سورة الفاتحة، وبيان كذلك لكيفية السلوك للموجودين على الصراط..