الكاتب: محمد فتح الله كولن
من لا يضع نصب عينيه أسباب نزول مثل هذه الآيات قد يفهمها بشكل خاطئ فيقول: “إن نصائحي لم تفد ولم تأت بخير” أو: لقد” ذكرتهم خمسين مرة فلم تنفعهم الذكري ” أو: “هؤلاء غير مؤهلين للإيمان” …..الخ.
وهكذا تصاب وظيفة الدعوة والتبليغ بالفتور. بينما الحقيقة التي تشير إليها هذه الآية الكريمة تقوم بتعليم أصحاب الدعوة وظيفتهم في الإرشاد وفي الدعوة والآية: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) {الأعلي 9}توصي هؤلاء وتقول لهم إن كان تذكيرك مفيدًا فداوم عليه. علمًا بأن الرسول صلي الله عليه وسلم علي الرغم من آية: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) {البقرة 6} فإنه داوم علي تذكير قساة القلوب من قريش من أمثال أبي جهل وعتبة وشيبة وغيرهم. ولا يعلم إلا الله وحده كم من مرة ذهب إليهم وذكِّرهم ودعاهم إلي الله. ولو أعطاه الله تعالي فرصة وفسحة أخري لما تواني عن تذكيرهم ودعوتهم.
أجل!…. إن أساس وظيفة التبليغ والإرشاد هو تنفيذ أمر الله بدوام التبليغ والاستمرار عليه. ولو أخذنا استجابة الناس أو عدم استجابتهم بحسباننا لأدي هذا إلي شيء معاكس ومناف لأهدافنا. انظروا ماذا يقول الله تعالي:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (المائدة 67).
وبجانب تذكير الله تعالي لرسوله بوظيفته ومهمته نجد هنا تنبيهًا لطيفًا ولينًا له. فكأنه يقول له: ليس هناك أي احتمال في تخليك عن مسؤوليتك وعن مهمتك في التبليغ فليس هذا من طبعك لأنك مفطور علي القيام بالتبليغ ولكن مع هذا يجب تذكيرك، فأنت صاحب الخلق العظيم والسجية السامية والفطرة النورانية الذي يسعى نحو اللامحدود واللانهاية، لذا كان الشعور بمسؤولية المهمة الكبيرة الملقاة علي عاتقك متناسبا مع هذه الفطرة السامية.
وحسب الحقيقة التي تكشفها آية: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) {القصص 56} نعلم أن مهمة الرسول صلي الله عليه وسلم ومهمة كل واحد منا هو التبليغ والتبليغ فقط.
وهناك وجه آخر لآية: (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) {الأعلي9} وهو أن بعضهم لا تنفع معهم الإرشادات والنصائح، لذا كان من الضروري معرفة هذه الحقيقة منذ البداية لكي لا يقع أحد في اليأس ولا القنوط، لأنه حسب آية: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) {الأعلي 10} فإن المستفيدين من التذكير والتبليغ هم أهل الخشية فقط.
ولكون الرسول صلي الله عليه وسلم مكلفًا بالتذكير والتبليغ دون قيد أو شرط فإن آية: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) لا تفيد التقييد بل تفيد تأكيد هذه المهمة وهذا التكليف، لأن هذا الكلام البليغ والقوي النازل والموحي به لابد أن يكون له نفع حتى ولو بالقوة “أي بالاحتمال في المستقبل “. أما استفادة السامعين له أو عدم استفادتهم فعليًا فهو موضوع آخر. إذن نستطيع أن نقول استنادًا إلي هذه الآية:انصح لأنه لابد أن تكون هناك فائدة من النصيحة.
اللهم اجعلنا من عبادك الخالصين المخلصين. وصلّ وسلّم علي سيد المخلصين.