يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]..
وقال: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [النمل: 91، 92].
بيد أن هذا التكليف الإلهي لرسوله صلى الله عليه وسلم لا يقتصر على التبليغ والبيان، وإنما يشمل التعليم والتربية وتزكية نفوس الصحابة الكرام بهدي القرآن.
وقد ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام على هذا المنهج القويم، وحمَّلهم تلك الرسالة ليؤدوها لِمن بعدهم ويبلغوها للقاصي والداني، وسارع الصحابة الكرام للقيام بهذه المهمة فتعلموا القرآن وعلموه، فكانوا كالأرض الطيبة شربت الماء فانتفعت وأنبتت العشب والزرع الكثير فنفعت الناس. [70- 71]
ثمرات تعلُّم القرآن:
فما أعظم النفحات التي ينالها أهل القرآن وهم يتعلمونه ويُعلِّمونه، وما أسعدهم بالسكينة والطمأنينة والرحمة التي تغشاهم، والملائكة التي تحفهم، فتنشرح صدورهم، وما أعلى قدرهم وهم يتشرَّفون بذكر الله لهم ومباهاته بهم في الملأ الأعلى. [74]
متى ننتفع بالقرآن؟
لا شك أن صاحب القلب اليقظ تقع الآية على مسامعه فيتذكر ويخشى وتهتز لها أعماق نفسه ويكون لها دورها وأثرها في سلوكه. [92]
فمن ترسَّخ الإيمان في قلبه وتحلى بالصدق والإخلاص لابد أن يتأثر عند تلاوة القرآن ويلتزم بالعمل بما فيه.
التعلُّم المطلوب:
إن تعلُّم القرآن الكريم لابد أن يشتمل على التفكر في معانيه ولو على سبيل الإجمال، ليكون دافعًا إلى العمل بما فيه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأما أبناء الأعاجم الذين يُقبلون على حفظ القرآن الكريم وهم لا يعرفون اللغة العربية، فإن الواجب على مدرِّسيهم غرس معاني القرآن في نفوسهم، وتربيتهم على أخلاقة وآدابه، حتى لا يكون حفظ القرآن الكريم هيكلًا أجوف لا حياة فيه. [93]
الجيل الأول والقرآن:
يقول عمار بن ياسر: إنا كنا ضُلَّالًا فهدانا الله، وكنا أعرابًا فهاجرنا، يقيم مقيمنا بتعليم القرآن، ويغزو الغازي، فإذا قدم الغازي أقام بتعليم القرآن، وغزا المقيم[1].
ثمرات يانعة:
لقد أثمرت هذه التربية النبوية والمجالس الإيمانية في تعليم القرآن الكريم وتعليمه ثمرات عظيمة، فكان جيل الصحابة رضي الله عنهم جيلًا قرآنيًّا فريدًا، فتح العالم بنور القرآن، وكان كل منهم نموذجًا حيًّا لهدي القرآن، تلاوة وحفظًا، وفهمًُا وتدبرًا، والتزامًا وسلوكًا. [109]
تأثر الصحابة بالقرآن:
أخرج ابن جرير الطبري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] وأبو بكر الصديق قاعد فبكى حين أُنزلت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يبكيني هذه السورة[2].
[1] طبقات ابن سعد (3/ 87). [2] تفسير الطبري (24/ 553).